إيمانٌ في المسجد وشغفٌ في الملعب .. السوداني عمار عبد الله عاشق كريستال بالاس يروي كيف صنعت الكرة هويته

أفق جديد

في أحد أحياء بروكلين الصاخبة في نيويورك، حيث تتقاطع اللغات والألوان والثقافات، يعيش عمار عبد الله — شاب سوداني أمريكي في الثالثة والعشرين من عمره، طالب دراسات عليا ولاعب كرة قدم وناشط شبابي. في مظهره البسيط وروحه الهادئة، يجمع بين ثلاثة عوالم تبدو متباعدة لكنها تتكامل في شخصه: الدين، والعلم، والرياضة.

وُلد عمار لأبوين سودانيين مهاجرين في نيويورك، لكنه لم ينسَ يومًا جذوره الممتدة في السودان. نشأ في منزلٍ يجمع بين ثقافة الحنين للوطن الأم وواقع الحياة الأمريكية الحديثة. كانت أحاديث والده عن الخرطوم، ورائحة القهوة في صباحات الجمعة، وصور المنتخب السوداني القديم على الجدران، هي بوصلته الأولى نحو هويةٍ لم يعرفها إلا من الحكايات.

“تعلمت منذ طفولتي أن أحتضن كلا العالمين”، يقول عمار. “الحياة في نيويورك سريعة ومليئة بالتحديات، بينما في السودان هناك دفء وبطء جميل يجعلك أقرب إلى الناس والروح”.

هذا التوازن بين عالمين انعكس على شخصيته وطموحاته. ففي الوقت الذي يلاحق فيه أحلامه الأكاديمية في جامعة نيويورك، لا يتخلى عن جذوره السودانية، بل يجعلها جزءًا من قوته ورؤيته للعالم.

يبدأ يوم عمار قبل أن تشرق الشمس. صلاة الفجر أولاً، ثم الركض إلى الملعب أو قاعة الدراسة. يقول مبتسمًا: “الصلاة تمنحني انطلاقة اليوم، والرياضة تملؤني بالطاقة”.

في عطلات نهاية الأسبوع، يجتمع مع عائلته لمشاهدة مباريات الدوري الإنجليزي الممتاز. المشهد في البيت يعكس انقسامًا لطيفًا: والده لتشيلسي، والدته لمانشستر سيتي، شقيقه لمانشستر يونايتد، وشقيقته لأرسنال — أما عمار، فقد اختار كريستال بالاس، النادي الذي رآه الأقرب إلى روحه.

“أحب كريستال بالاس لأن لاعبيه يشبهونني في خلفياتهم وتعبيرهم عن أنفسهم”، يقول وهو يتحدث بحماس عن ويلفريد زاها وإيبيريتشي إيزي. “طريقة لعبهم تعبّر عن الحرية، عن الشغف، عن هوية لا تخاف من أن تُرى كما هي”.

الطالب المؤمن

بعيدًا عن الملعب، يقضي عمار أغلب وقته في الجامعة بين الأبحاث والنشاط الشبابي. يدرس العلاقات الدولية ويركّز في أطروحته على دور الرياضة في تعزيز الهوية والانتماء لدى الجاليات المهاجرة.

لكن التزامه الأكاديمي لا يطغى على التزامه الديني. فهو من الشباب الذين يحافظون على حضور صلاة الجمعة، ويقود جلسات توعية للشباب في مسجده المحلي ببروكلين.

يقول أحد أصدقائه: “عمار هو الشخص الذي يذكّرك بأن الإيمان ليس عائقًا، بل دافعٌ للتفوق. بعد الصلاة، نتحدث عن كرة القدم والسياسة والحياة — كل شيء لديه يبدأ من القيم وينتهي بها”.

في نظر عمار، كرة القدم ليست مجرد لعبة، بل جسر للتواصل بين الثقافات والهويات. فهي بالنسبة له لغة عالمية توحد الناس رغم اختلافاتهم.

“كرة القدم تعلّمك التواضع والانضباط والعمل الجماعي، وهي في الوقت نفسه مساحة للتعبير عن الذات”، يقول. “حين ألعب، أشعر بأنني أُجسد شيئًا أكبر من الفوز أو الخسارة — إنها فرصة لتمثيل نفسي وجذوري وكل من يشبهني”.

لقد حمل عمار كرة القدم معه من شوارع بروكلين إلى ملاعب الخرطوم خلال زياراته إلى السودان، وهناك اكتشف البساطة الصافية للعبة. في السودان، كما يقول، “الكرة ليست وسيلة للربح، بل للحب. تلعب لأنك تحب أن تشعر بالفرح”.

يُدرك عمار أن كونه “أمريكيًا من أصل سوداني” يعني أن يعيش حالة من الازدواج الجميل: فهو ينتمي إلى بلدين، ويمثل ثقافتين، ويتحدث بلغتين. لكنه لا يرى في ذلك تناقضًا، بل مصدر قوة.

“الهوية ليست صندوقًا مغلقًا، إنها شيء حيّ ومتغيّر”، يقول. “تتعلم أن ترى الجمال في التنوع، وأن تدرك أن الإيمان والعلم والرياضة يمكن أن يتعايشوا في تناغم كامل”.

اليوم، يواصل عمار دراسته ويشارك في مشاريع شبابية تهدف إلى ربط الرياضة بالتنمية الاجتماعية. كما يدرّب أطفال الجالية السودانية في بروكلين على كرة القدم، محاولًا أن يكون لهم نموذجًا يربط بين الانضباط الأكاديمي والإيمان والفرح بالحياة.

يقول بابتسامة: “أريد أن أُظهر أن المسلم يمكن أن يكون لاعبًا جيدًا، والطالب يمكن أن يكون متدينًا، وأن النجاح الحقيقي هو أن تبقى وفيًّا لقيمك أينما كنت”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى