المرأة السودانية …. الوطن حين يتعب الوطن

بقلم : طارق فرح

تحيِّي تعيشي لا مقهورة ، لا منهورة ،

لا خاطر جناك مكسور ، بل مستورة ،

يا ذات الضرا المستور ،

سلاماً يا غزالات العمل والبيت.

لم تكن حرب أبريل 2023 في السودان حدثاً عابراً أو صراعاً عادياً، فالسودان عرف الحروب منذ ما قبل الاستقلال، غير أن هذه الحرب كانت الأعنف والأوسع أثراً، لأنها انطلقت من قلب الخرطوم، مركز البلاد، فامتد دمارها ليطال كل بيت، ودفعت ملايين السودانيين إلى النزوح والهجرة القسرية.

وفي خضم هذا الخراب، برزت المرأة السودانية مرة أخرى في مشهد التاريخ. فدورها لم يكن ثانوياً ولا تكميلياً، بل كان عماداً أصيلاً في مواجهة تداعيات الحرب، وحمل تبعاتها على كاهلها بثبات وإيمان.

في المقابل، لم يكن الرجال بمنأى عن صدمات الحرب وما خلّفته من فقدٍ وتشريدٍ وضياعٍ لمصادر الرزق، فقد وجد كثيرون أنفسهم أمام واقعٍ قاسٍ أربك حساباتهم وأرهق قواهم. وبين من غلب عليه الإحباط أو الحيرة، ومن تمسّك بما تبقّى من أمل، كانت المرأة السودانية تتحرك بخطى أكثر ثباتاً وواقعية؛ تستنهض قوتها الفطرية، وتحوّل الانكسار إلى دافعٍ للعمل والإعالة، فتسدّ الفجوات وتعيد للحياة توازنها في أدقّ تفاصيلها.

منذ لحظة اللجوء إلى دول الجوار أو الشتات، لم تقف المرأة السودانية مكتوفة الأيدي، بل بادرت إلى العمل والإنتاج والإعالة. ومن كانت تخبز أو تطبخ كهواية، حولتها إلى مهنة. ومن كانت تجيد الأعمال اليدوية أو الزخرفية أو تصميم الإكسسوارات والأزياء، أسست مورد رزق جديداً يعيلها وأسرتها. وإلى جانب ذلك، واصلت الموظفات والعاملات أداء أدوارهن في مختلف المهن، فتحمّلن أعباء مضاعفة بين العمل ورعاية الأسرة، مؤكدات أن المرأة السودانية كانت – وما تزال – عماد الصمود في وجه المحن.

إن المرأة السودانية اليوم تُجسد قول الله تعالى:

﴿وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ سُخْرِيًّا﴾ [الزخرف: 32]،

فهي تقوم بدورها في حمل الأعباء حين يضعف الآخر، وتسدّ الفجوة حين ينهار السند، وتُثبت أن المجتمع لا يقوم إلا بتكامل أدواره.

ولعل الشاعر محجوب شريف قد لخّص هذه الحقيقة في أبياته الخالدة:

المرأة ساس الدار … وهي البِتلمّ اللّمّة

وهي الحُنان البِكبر … وهي النضال والهِمّة

فالمرأة السودانية لم تكن يوماً ظلاً يتوارى خلف الرجل، بل كانت شريكته وصمام الأمان، ومصنع الأمل في المنافي والشتات.

إن التحية اليوم، كما الأمس، تظل واجبة لكل امرأة سودانية صابرة، مكافحة، حاملة للهم العام والخاص، تكتب بعرقها وصبرها سطور بقاء هذا الشعب.

والتحية أيضًا لكل من فقدوا أرواحهم في هذه الحرب، رجالاً ونساءً وأطفالاً — رحلوا بأجسادهم ، لكنهم باقون في ذاكرة الوطن ، يذكّروننا بأن الحرية والسلام لا يُبنيان إلا على تضحياتٍ صادقة.

التحية لها في كل زمانٍ ومكان، فهي صورة الصمود وصوت الحياة في وجه الموت ، والتحية لكل من ارتقوا من أجل بقاء الوطن.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى