السودان بعد السبعين..
من على الشرفة
بقلم : طاهر المعتصم
سبعون سنة من عمر السودان والصراعات المسلحة سيدة الموقف. في أغسطس 1955م كان ميلاد أول تمرد قبل أن يعلن السودان استقلاله ويرفرف علم الحرية، وقتها تمردت وحدة الاستوائية العسكرية في توريت جنوب السودان. لم تتوقف رحى هذا الصراع المسلح إلا في عام 1972م عبر التفاوض في اتفاقية أديس أبابا، صمد الاتفاق عشر سنوات قبل أن يشتعل الصراع مرة أخرى.
منذ 1983 تجدد الصراع تحت راية الحركة الشعبية شمال بقيادة جون قرنق، بعد حوالي سنتين اندلعت انتفاضة أبريل 1985م الشعبية مسقطة دكتاتورية جعفر نميري. سعت الحكومة المنتخبة بحثًا عن السلام في كوكادام، وعندما توصلت إليه في أديس أبابا 1988 فيما عُرف باتفاقية (الميرغني – قرنق)، كانت جماعة الإخوان المسلمين بقيادة حسن الترابي بالمرصاد تخطط لانقلاب عسكري بقيادة عمر البشير في يونيو 1989م. استغرقت سلطة انقلاب الإسلاميين 16 سنة للتوصل إلى اتفاق (نيفاشا) 2005م.
لكن دارفور كانت قد اشتعلت في سنة 2003، وانشقاق الحركة الإسلامية الحاكمة كان أحد أسباب تمرد حركة العدل والمساواة، وتقابلها حركة تحرير السودان. ولم يرعَ رحم التمرد ضد السلطة في الخرطوم حينًا بمساعدتها وأحيانًا مجبرة، ففاق عدد المليشيات في دارفور الثمانين واجهة مسلحة. بعضها مثل حركة جيش تحرير السودان فرع مناوي، تحالفت مع السلطة قليلًا ثم غادرت عائدة إلى التمرد.
في العام 2019، وقبل أن ينتصف، كان نظام الإسلام السياسي بقيادة البشير قد سقط. حكومة الشركاء انصاعت لمطلب المتظاهرين بوجوب تحقيق السلام في دارفور، حتى كللت المساعي باتفاقية أديس أبابا 2020. لم يمر عام على اتفاق السلام حتى حدث انقلاب أكتوبر 2021، وكما يُقال (ريسين غرقوا المركب) لم تستمر الشراكة أكثر من عام ونصف، مشعلة حرب 15 أبريل 2023 التي وُصفت بأنها أكبر كارثة إنسانية، زهاء 15 مليون سودانية وسوداني نزحوا ولجؤوا إلى دول الجوار.
جرت محاولات عديدة من الدول الصديقة والشقيقة لوقف الصراع المسلح، كانت الاستجابة في جدة بعد حوالي شهر من الرصاصة الأولى عبر مفاوضات غير مباشرة، لكن عوامل داخلية وخارجية أدت إلى انهيار التفاوض غير المباشر برعاية سعودية أمريكية.
منذ ذلك الوقت، ولعدة أسباب من بينها 7 أكتوبر 2023 في غزة الجريحة، لم تتوفر إرادة حقيقية لإحلال السلام في السودان. في الشهور الأخيرة نشطت (الرباعية الدولية) في البحث عن حلول، وسعت الولايات المتحدة إلى خطوات عملية في ذلك، بعض بشائرها إحياء جدة مرة أخرى عبر تفاوض غير مباشر كما جاءت التسريبات. وعلى صعيد متصل، يحاول الاتحاد الإفريقي ومصر تيسير عملية سياسية استكمالًا لجهود مصر في مؤتمر القاهرة الأول يوليو 2024.
المؤكد أن في كل المراحل هناك أطرافًا تضررت من السلام وما يتبعه من عدالة وعدالة انتقالية، وما يسببه وقف نزيف الدماء السودانية، وبحث مراكز القوة عن انتصارات مناطقية. لكن أغلب البوادر تتحدث عن إرادة حقيقية وشراكة سودانية عبر أوجه مختلفة في إيجاد حلول جذرية تحفظ وحدة السودان وشعبه، وتنهي جذور أزمة استمرت 70 سنة.