إبراهيم هباني
الحرب في السودان لم تعد مجرد صراع بين جنرالين، بل أصبحت معركة على شكل الدولة ونفسها. فالسؤال اليوم لم يعد: من يحكم؟
بل: بأي منطق سوف تحكم البلاد في المستقبل؟
قبل اندلاع الحرب بأيام، كانت البلاد على وشك اتفاق يعيد ترتيب المؤسسة العسكرية ويمهد لانتقال مدني منظم، وهو تحول كان سيُنهي نفوذ الشبكات القديمة التي حكمت السودان من خلف المشهد لعقود.
تفجير الحرب في هذه اللحظة لم يكن صدفة، بل خطوة مقصودة لمنع ميلاد دولة جديدة قبل أن تتشكل.
ما يجري اليوم ليس فراغا سياسيا، بل صراع حاد بين منطق الدولة ومنطق القوة.
فالبرهان يتمسك بصفة “رأس الدولة”، لكنه محاط بواقع معقد يجعله غير قادر على فرض مسار إصلاحي حقيقي. والدعم السريع قوة أمر واقع، لكنه لا يمثل مؤسسة دولة يمكن أن تضمن استقرارا طويلًا. لذلك، لا يمكن افتراض أن الحل سيأتي من أحد الطرفين وحده، ولا يمكن في الوقت ذاته تجاهل وجود أي منهما أثناء البحث عن مخرج.
على المستوى الدولي، ينتظر ان يفرز اجتماع (الرباعية) المرتقب في واشنطن يوم 26 أكتوبر, وعيا متزايدا بأن الحرب في السودان ليست أزمة محلية عابرة. لكن معظم الجهود الخارجية ما تزال تركز على فكرة “وقف النار” أكثر من الإجابة عن سؤال “ما الذي سيحدث بعد وقف النار؟”.
الاتحاد الأفريقي والإيقاد والاتحاد الأوروبي والترويكا يتحركون في الاتجاه نفسه، لكن من دون طرح صيغة واضحة لإعادة بناء الدولة على أسس تمنع تكرار المأساة.
الحل الواقعي لا يبدأ من هدنة عسكرية قصيرة، بل من اتفاق صريح على شكل الدولة بعد الهدنة. وهذا يتطلب شرعية لا تُمنح لمن يملك السلاح فقط، بل لمن يستطيع تمثيل السودانيين بوضوح ومسؤولية. كما يتطلب مسارا سياسيًا حقيقيا، لا مشاورات شكلية، يشارك فيه من يملك رؤية لبناء دولة، لا فقط قوة للقتال.
والأهم أن يكون هذا المسار محميا دوليا، ليس بالمراقبة من بعيد، بل بضمان يمنع أي طرف من نسف العملية بعد دقائق من بدءها.
الخطر الأكبر ليس استمرار الحرب، بل أن تنتهي الحرب على صيغة تبقي أسبابها حية. السودان لا يحتاج إلى إدارة حرب مؤقتة، بل إلى قرار يعيد تعريف الدولة قبل التفكير في من يديرها. عندها فقط يمكن أن يكون وقف النار بداية حل، لا مجرد استراحة قبل جولة جديدة..