إزالة العشوائيات.. واقع مظلم

أفق جديد

بقلوب واجفة وعيون دامعة وأيادي مرتعشة، خوفًا من التفكك والنزوح والمُستقبل المظلم، استقبل سكان الأحياء العشوائية بمحلية جبل أولياء جنوبي العاصمة الخرطوم الآليات الثقيلة والجرافات وهي تدك المنازل وتنسفها نسفًا.

وتأتي الخطوة ضمن خطة شاملة أعدّتها الولاية لإزالة الأحياء والمواقع غير المخططة، التي تمثل – وفق السلطات المختصة – “عبئًا متزايدًا على البنية التحتية، وعرقلة لتقديم الخدمات الأساسية كالصحة والتعليم والمياه والكهرباء”.

وأعلن جهاز حماية الأراضي وإزالة المخالفات بولاية الخرطوم عن الانتهاء من المرحلة الأولى لأعمال إزالة العشوائيات بمحلية جبل أولياء، التي شملت أحياء “مانديلا” و”غبوش” و”قلب الأسد” بمنطقة مايو.

وأوضح مدير جهاز حماية الأراضي وإزالة المخالفات بولاية الخرطوم، عبد العزيز عبد الله، أهمية إزالة السكن العشوائي لتحقيق التوسع العمراني والتخطيط السليم من أجل توفير الخدمات.

وقال إن “تنفيذ الحملة تم بصورة سلمية دون وقوع إصابات، نتيجة خبرة الموظفين والكفاءة العالية للقوات الأمنية المشاركة”، وناشد الجهات المختصة بالإسراع في تعويض المتضررين وفق الضوابط المعمول بها.

وطبقًا لسلطات الولاية فإن إزالة حي “مانديلا” يأتي ضمن مرحلة جديدة من مشروع إعادة تنظيم الأحياء الطرفية، بهدف تحسين بيئة السكن ومكافحة التوسع العشوائي. وأشارت إلى أن الخطة تشمل لاحقًا توفير مواقع بديلة وإدخال المناطق الجديدة ضمن خطط التنمية المستدامة.

معايير أخلاقية

وأدان حزب المؤتمر السوداني– ولاية الخرطوم، عمليات الإزالة القسرية التي تمت لمساكن المواطنين بحي “مانديلا” جنوب العاصمة الخرطوم، ووصفها بأنها جريمة في حق الإنسانية.

وعبر الحزب في بيان تلقته “أفق جديد”، عن قلقه البالغ لعملية الإزالة القسرية والمهينة، التي قال إنها نُفذت بطريقة تخلو من أدنى درجات المسؤولية الإنسانية والقانونية، وتجاوزت كل المعايير الأخلاقية في التعامل مع مواطنين بسطاء لا يملكون مأوى غير تلك المساكن التي أُزيلت فوق رؤوسهم.

وقال إن ما حدث يُعد جريمة في حق الإنسانية، وتعبيرًا فاضحًا عن غياب العدالة الاجتماعية والاستهتار بحقوق المواطنين الذين يعانون أصلاً من أوضاع معيشية وأمنية متردية.

واستنكر الحزب بشدة استخدام خطاب رسمي مسيء، ووصم تلك المناطق بـ”أوكار الجريمة والتلوث”، واعتبره خطابًا ينم عن نظرة طبقية مرفوضة ومنافية لقيم العدالة والمواطنة المتساوية.

وأكد أن معالجة قضايا السكن العشوائي يجب أن تتم بروح القانون والعدالة الاجتماعية، عبر إيجاد حلول تحفظ كرامة الإنسان وتراعي ظروفه الاقتصادية والاجتماعية، لا بسياسات الإزالة القسرية التي تفاقم معاناة الفقراء وتعمّق أزماتهم.

وأوضح أن الدولة مسؤولة عن حماية مواطنيها وتوفير بدائل سكنية آمنة قبل اتخاذ أي إجراء إداري أو أمني.

وحمل الحزب السلطات المحلية وشرطة ولاية الخرطوم كامل المسؤولية عن هذه الانتهاكات، وطالب بفتح تحقيق عاجل وشفاف حول ملابسات القرار الجائر، وتعويض المتضررين تعويضًا عادلاً، وضمان عدم تكرار مثل هذه الممارسات في أي من مناطق الولاية.

وأعلن تضامنه الكامل مع المواطنين المتضررين، ودعا القوى السياسية والمجتمعية ومنظمات الحقوق والعدالة للوقوف صفاً واحداً ضد مثل هذه السياسات التي تستهدف الفقراء والمهمشين.

توفير بدائل

“الخوف من النزاعات بين السكان الذين يرفضون قرار الإزالة من السلطات الحكومية، وربما نصل إلى العنف”، يقول عبد الله جابر من سكان حي (مايو)، ويضيف في حديثه لـ”أفق جديد”: “إزالة المنازل بصورة غير مدروسة تزيد من معدلات الفقر والبطالة في ظل عدم توفير بدائل مناسبة للمواطنين المتضررين”.

وتابع جابر قائلًا: “الثقة معدومة بين المواطن والسلطات، والقرار التعسفي في الإزالة عادة ما يولد شعورًا بالاستياء والظلم”.

من جهتها تقول حليمة عبد الغفار من سكان منطقة (مايو) لـ”أفق جديد”: “تهجير الأسر يؤدي إلى بيئة اجتماعية متفككة. نشأنا في تلك الأحياء عبر السنين، والإزالة تعقد المشكلات الاجتماعية وتفاقم الأوضاع الإنسانية”.

وأضافت: “نخشى التفكك الاجتماعي والأسري، وتصاعد معدلات الجريمة والتلوث البيئي، ما يجعلنا ضعفاء ولا نشعر بالأمان”.

من جهته يقول المواطن العبيد عبد القادر من سكان حي (مانديلا): “أصابنا القلق والتوتر. ونطالب بتوفير بدائل سكنية مناسبة، واتخاذ إجراءات تراعي حقوق الأسر المتأثرة، خاصة في ظل ظروف الحرب والفقر وصعوبة المعيشة”.

وأضاف عبد القادر في حديثه لـ”أفق جديد”: “الأحياء طابعها عشوائي ولكنها شكلت ملاذًا آمنًا لآلاف النازحين والفقراء وأصحاب الدخل المحدود. كل ما نطلبه إعادة تسكين الناس لضمان الاستقرار الاجتماعي”.

غبن اجتماعي

بالنسبة إلى الباحث الاجتماعي، خضر الخواض، فإن قرار الإزالة خطوة غير موفقة وليست أخلاقية، خاصة وأن العاصمة الخرطوم تعيش حاليًا أسوأ كارثة إنسانية إثر تفشي الأمراض والأوبئة وهناك فقراء بلا حول أو قوة”.

وأضاف الخواض في حديثه لـ”أفق جديد”: “في ظل الحرب والأزمة الاقتصادية فإن قرار السلطات بإزالة المساكن الشعبية دون توفير بدائل مناسبة ينعكس سلبًا على الناس البسطاء”.

وتابع: “الخرطوم طاردة للسكن، وتكسير وهدم مساكن المواطنين في مايو وأنغولا وبانتيو وجنوب الحزام دون بدائل. هذا الأمر غير أخلاقي وغير مقبول ويؤزم الوضع الإنساني والغبن الموجود ويؤدي إلى مزيد من الكراهية”.

من جهتها قالت الباحثة الاجتماعية، ثريا إبراهيم، إن إزالة السكن العشوائي دون تخطيط ودراسات قانونية وتوفير حلول بديلة يؤدي إلى توترات اجتماعية تؤثر سلبًا على التعايش السلمي.

وشددت ثريا في حديثها لـ”أفق جديد”، على ضرورة إجراء دراسات اجتماعية واقتصادية لتجنب تفاقم المشكلات الاجتماعية وتوفير بيئة عمرانية أكثر استقرارًا وأمانًا لتفادي المشكلات والتوترات ما بين السلطات والسكان المحليين.

وأضافت: “على الدولة النظر بعين الاعتبار للتحديات الاقتصادية والفقر، وإذا أصرت على إزالة السكن العشوائي لا بد من توفير بدائل لحفظ الكرامة الإنسانية وفق المسح الاجتماعي والشروط المطلوبة”.

وتابعت بالقول: “الإجراءات لا بد أن تحفظ للإنسان كرامته خاصة وأن الأسر تضم كبار السن والأطفال والمرضى، وإذا وقع الغُبن فإن ردود الأفعال ستكون سيئة وصعبة”. 

إنذارات قانونية

بالنسبة إلى القانوني الفاتح عبد الله، فإن عملية الإزالة يجب أن تسبقها إنذارات قانونية واضحة وفترات كافية لتجهيز المواطنين.

وأكد عبد الله في حديثه لـ”أفق جديد”، أن الحلول تتطلب توفير بدائل سكنية مناسبة وملائمة، مع الأخذ بعين الاعتبار الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية للسكان المتضررين.

وشدد عبد الله، على ضرورة تطبيق مبدأ الشراكة مع السكان في مشروعات التطوير، مما يضمن مشاركتهم في عملية صنع القرار، ودمج برامج تطوير المناطق العشوائية مع خطط التنمية الشاملة للمدينة، بما في ذلك توفير الخدمات الأساسية وفرص العمل.

وفي يوليو 2025، أعلن جهاز حماية الأراضي بولاية الخرطوم اكتمال إزالة التعديات العشوائية بمربعي (18) و(19) بمدينة “أبو سعد” في محلية أم درمان.

وفي 12 يوليو الماضي أزالت قوات طوفٍ مُشتركٍ تابعٍ لمحلية شرق النيل المساكن العشوائية بسوق (4) بحي البركة “كرتون كسلا”.

ووفق جهاز حماية الأراضي وإزالة المخالفات، فإن ولاية الخرطوم أكملت تنفيذ 60% من إزالة السكن العشوائي في الولاية حتى 25 يونيو الماضي، ضمن خطة مدروسة للحصر والإزالة في جميع محليات الولاية، شملت منطقة الخيرات بمحلية شرق النيل ومربع 19 الحلفايا ومربع 13 مطري الحلفايا ومنطقة العزبة بمحلية بحري، ومناطق مانديلا و”غبوش” بجنوب الخرطوم وحتى منطقة جبل أولياء.

Exit mobile version