
أفق جديد
تعيش مدينة “بارا” بولاية شمال كردفان أزمة إنسانية بالغة التعقيد، ويواجه آلاف المدنيين الفارين من جحيم الموت والعنف آلامًا كبيرة بسبب التشرد والنزوح ونقص الخدمات الضرورية من الغذاء والكساء والدواء.
“وصلنا إلى مدينة الأبيض بعد رحلة شاقة وانهكنا الجوع والعطش”. هكذا وصفت “ربيعة مصطفى” التي هربت رفقة أسرتها من مدينة بارا بسبب العنف والقتال ونقص الخدمات الضرورية من المياه والكهرباء.
وأضافت ربيعة في حديثها لـ”أفق جديد”: “تحملنا عبء المسير الطويل، والأطفال يئنون من المرض والجوع، وحياتنا في خطر في ظل التشرد والنزوح المستمر”.
وتابعت: “نزحنا للمرة الثانية بعد اشتداد المعارك في مدينة بارا، وأصبحنا مشردين بلا مأوى والجوع ينهش أطفالنا الصغار”.
ويواجه آلاف المدنيين الفارين من مدينة “بارا” والمناطق المجاورة ظروفًا إنسانية شديدة القسوة، حيث يفترشون الأرض ويلتحفون السماء وسط غياب شبه كامل للاستجابة الإنسانية”.
ويقول المواطن الهميم بابكر: “بعد المعارك المستمرة في مدينة بارا، وصلنا إلى مدينة الأبيض بعد رحلة قاسية وأيام من السفر الطويل سيرًا على الأقدام وفوق ظهور الدواب”.
وأضاف بابكر في حديثه لـ”أفق جديد”: “وصل أفراد الأسرة في حالة إنهاك شديد، ويحتاجون إلى المساعدات الإنسانية من الغذاء والدواء”.
وتابع بالقول: “الوضع الأمني والإنساني داخل مدينة بارا صعب للغاية، والمنطقة غير آمنة وقوات الدعم السريع سيطرت بالكامل، وجميع الأسر غادرت المدينة إلى المجهول”.
وقالت منظمة الهجرة الدولية، إن 1730 شخصًا في ولايتي شمال كردفان (جنوب) وشمال دارفور (غرب) نزحوا جراء تفاقم انعدام الأمن، واستمرار الاشتباكات المسلحة في السودان.
وأفادت المنظمة في بيان أن فرقها الميدانية المختصة برصد أعداد النازحين، قدّرت نزوح 230 شخصًا من منطقة المزروب غرب مدينة بارا بشمال كردفان، نتيجة لانعدام الأمن.
وفي 25 أكتوبر الجاري أعلنت قوات “الدعم السريع” استعادة السيطرة على مدينة بارا بولاية شمال كردفان، بعد معارك عنيفة ضد الجيش السوداني وحلفائه.
وكان الجيش السوداني سيطر على المدينة في 11 سبتمبر الماضي، بعد أن ظلت تحت قبضة قوات الدعم السريع منذ الأشهر الأولى لاندلاع النزاع في 15 أبريل 2023.
وتُعد مدينة “بارا” ذات موقع استراتيجي مهم، حيث تقع على الطريق الرابط بين العاصمة السودانية وكردفان، وتبعد حوالي 300 كيلومتر عن مدينة أم درمان، بينما تبعد من مدينة الأبيض حوالي 100 كيلو متر.
وكانت قوات “الدعم السريع” اتخذت من المدينة سابقًا قاعدة لانطلاق الهجمات نحو مدينة الأبيض، عاصمة الولاية، كما كانت تمر عبرها خطوط إمداد القوات القادمة من غرب السودان إلى أم درمان أثناء تمركز الدعم السريع في الخرطوم.
وقال المتحدث باسم قوات “الدعم السريع” في بيان تلقته “أفق جديد”، إن قواتهم “أحكمت سيطرتها الكاملة على بارا بعد معارك عنيفة ضد الجيش السوداني وحلفائه”.
وأشار إلى أن القوات استولت على كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر وتواصل مطاردة قوات الجيش حتى تخوم مدينة الأبيض.
وأثناء وجود قوات “الدعم السريع” في بارا قبل طردها من المنطقة في سبتمبر الماضي، نفذت القوات، بمساندة مرتزقة من دولة جنوب السودان، عمليات نهب في الأسواق والمنازل، ما أدى إلى نزوح عدد من الأسر قسرًا باتجاه الأبيض.
وفي 6 يوليو الماضي، قالت حكومة ولاية شمال كردفان إن الأبيض، عاصمة الولاية، استقبلت عشرات الآلاف من النازحين من عدة قرى تهاجمها قوات الدعم السريع، وسط تسجيل حالات إصابة ووفاة بالكوليرا.
وتنتشر الدعم السريع في مناطق الخوي والنهود غربي الأبيض، وفي منطقة بارا شرقي المدينة، فضلًا عن سيطرتها على بلدات “كازقيل” و”الدبيبات” جنوب ولاية شمال كردفان.
وحسب مفوض العون الإنساني بحكومة ولاية شمال كردفان، محمد إسماعيل، فإن الأبيض استقبلت أكثر من 600 أسرة نازحة – أي نحو 30 ألف فرد – من قرى شمال مدينة بارا بسبب مهاجمة قوات الدعم السريع لهذه القرى.
وفي يوليو الماضي قالت منظمة الهجرة الدولية، في بيان إن “3,260 أسرة نزحت من عدة قرى في محلية بارا بسبب تزايد انعدام الأمن”، وأشارت إلى أن الفارين نزحوا من 12 قرية على الأقل، منها أم قرفة، والمرخة، وأم تراكيش.
وطبقًا للمنظمة، فإن النازحين فرّوا إلى مناطق في محلية شيكان وأم دم حاج أحمد في شمال كردفان، والعباسية في جنوب كردفان، وتندلتي وكوستي في ولاية النيل الأبيض، وأم درمان بولاية الخرطوم.
وفي نهاية يونيو الماضي، هاجمت قوات الدعم السريع قرى بمحلية شيكان، منها “لمينا” و”ألحقونا”، جنوبي مدينة الأبيض، في محاولة ترمي إلى تضييق الخناق على المدينة.
ويخشى مراقبون من تفاقم الأوضاع الإنسانية في المناطق المتأثرة بالاشتباكات نتيجة استمرار موجات النزوح واستهداف المناطق المدنية.
وتقول الأمم المتحدة، إن السودان الذي كان، حتى قبل الحرب، من أفقر بلدان العالم، يشهد “واحدة من أسوأ أزمات النزوح في العالم، وهو مرشح لأن يشهد قريبًا أسوأ أزمة جوع في العالم”.
ويحتاج 30.4 مليون سوداني ــ 64% من السكان ــ إلى مساعدات إنسانية هذا العام، وكانت الأمم المتحدة تخطط لمساعدة قرابة 21 مليونًا منهم قبل أن تقلص العدد إلى 17.3 مليون شخص جراء نقص التمويل.
ويخوض الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل/نيسان 2023 حربًا أسفرت عن مقتل أكثر من 20 ألف شخص ونزوح ولجوء نحو 15 مليونًا، بحسب الأمم المتحدة والسلطات المحلية، بينما قدّرت دراسة أعدتها جامعات أمريكية عدد القتلى بنحو 130 ألفًا.