الرباعية بين تفاؤل السودانيين وحسابات القوى: هل تصنع واشنطن سلام السودان أم تعيد تدوير أزمته؟

حاتم أيوب أبو الحسن
حاتم أيوب أبو الحس

حاتم أيوب أبو الحسن 

في ظل التفاؤلات الشعبية الواسعة باجتماع الرباعية الدولية في واشنطن وتصاعد حملات الإخوان المسلمين الرافضة والمهددة، يقف السودان على حافة مصير معقد بين سلامٍ مأمول وحربٍ تتغذى على تضارب المصالح. التفاؤل الذي عمّ الشارع السوداني بعد الإعلان عن خارطة طريق دولية لوقف الحرب لا يخفي القلق من أن تتحول هذه المبادرة إلى تكرار لخيبات الماضي، إذ أن القوى المتصارعة داخلياً لا تزال متمسكة بمواقفها ومصالحها، بينما المجتمع الدولي يسعى لفرض تسوية قد لا تنبع من إرادة السودانيين أنفسهم.

الرباعية المكوّنة من الولايات المتحدة والسعودية والإمارات ومصر تحاول عبر هذه الخطة تثبيت هدنة إنسانية تمهيداً لوقف دائم لإطلاق النار ثم انتقال سياسي مدني خلال تسعة أشهر. لكن الواقع على الأرض أكثر تعقيداً، فالجيش السوداني يتوجس من أي اتفاق قد يقلّص سلطته أو يفرض عليه إصلاحات لا يسيطر عليها، وقوات الدعم السريع ترى في التفاوض فرصة لتثبيت نفوذها كقوة أمر واقع. أما التيارات الإسلامية فتشن حملة سياسية وإعلامية ضد الخطة معتبرةً أنها تهدف إلى إقصائها وتفكيك نفوذها التاريخي داخل الدولة. وفي خضم هذه التناقضات يبقى المدنيون أكثر الفئات ترقباً وخوفاً، فقد أنهكتهم الحرب ودمّرت مدنهم وأحلامهم، لكنهم لا يريدون سلاماً يُصاغ في العواصم البعيدة دون تمثيل حقيقي لهم.

المشهد الدولي لا يقل تشابكاً، فلكل دولة في الرباعية أجندتها الخاصة. واشنطن تريد استقراراً يقطع الطريق أمام النفوذ الروسي والإيراني، والسعودية والإمارات تسعيان لتأمين مصالحهما الاقتصادية والإقليمية، فيما تخشى مصر من إضعاف الجيش السوداني بما يهدد أمنها الحدودي. هذا التباين يجعل الرباعية نفسها محاصرة بين تضارب أهدافها وضغط الوقت المتسارع لانهيار الدولة السودانية.

السيناريو الأقرب هو أن تتمكن الرباعية من فرض اتفاق محدود يقود إلى هدنة قابلة للتمديد ومفاوضات تحت مراقبة دولية، إلا أن نجاحه يعتمد على وجود ضمانات تنفيذية واضحة وإشراك فعلي للقوى المدنية. أما في حال استمرار الرفض المتبادل، فالأرجح أن تنزلق البلاد إلى مزيد من الانقسام وربما إلى واقع مناطق نفوذ متوازية، وهو ما سيحول السودان إلى ساحة مفتوحة لصراعات الوكلاء الإقليميين.

ما يحتاجه السودان اليوم ليس مزيداً من المؤتمرات بل إرادة تنفيذ تُترجم البيانات إلى أفعال. ينبغي أن تبدأ الخطة بخطوات إنسانية عاجلة تفتح الممرات الآمنة وتعيد الخدمات الأساسية، فالملايين يعيشون تحت الخطر والمجاعة والنزوح. كما يجب أن يكون الحل السياسي شاملاً لا يُقصي أحداً من مكونات المجتمع السوداني، فالإقصاء هو الوقود الأخطر لاستمرار الحرب.

إن السودان يقف أمام لحظة فاصلة، فإما أن تكون واشنطن نقطة انطلاق لسلام حقيقي تقوده الرباعية بإرادة صادقة وشراكة سودانية كاملة، أو محطة أخرى في سلسلة الوعود المكسورة التي أرهقت شعباً يريد فقط أن يعيش بكرامة داخل وطن واحد آمن. لقد تعب السودانيون من الحرب ومن الخطابات الدولية، وما ينتظرونه الآن ليس مزيداً من التعهدات بل خطوة حقيقية توقف نزيف الدم وتفتح لهم نافذة للحياة.

    نعود .

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى