
بقلم : إبراهيم هباني
سقوط مدينة الفاشر، كبرى مدن دارفور ومركز ثقلها الاجتماعي والسياسي، لم يكن مجرد تطور عسكري، بل إعلانًا صريحًا عن دخول السودان مرحلة “اللا دولة”. فالحدث لا يمكن فصله عن مسار بدأ منذ فض اعتصام القيادة العامة للجيش السوداني يونيو 2019، عندما تحولت المؤسسة العسكرية من طرف ضامن للانتقال السياسي إلى طرف حاكم فعلي يدير البلاد بمنطق السيطرة لا بمنطق الدولة.
الانقلاب على حكومة عبد الله حمدوك في أكتوبر2021 كان خطوة متقدمة في هذا الاتجاه، أعقبه مشهد أكثر دلالة حين أعيد حمدوك من إقامته الجبرية باتفاق سياسي وُصف بأنه “تصحيحي”، لكنه بدا أقرب إلى محاولة تجميل تكتيكية، لا مشروع دولة. ولم يكن مستغربًا أن يغادر الرجل المشهد سريعًا تاركاً السودان في فراغ سياسي كامل.
وفق تصريحات قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، فإن ما سمي “تصحيح المسار”، لم يكن في نظره سوى خطوة لإعادة التيار الإسلامي إلى السلطة عبر المؤسسة العسكرية، وهو ما دفعه آنذاك لمغادرة الخرطوم نحو دارفور. لكنه عاد لاحقًا – كما يقول – عبر دعوة مباشرة من الفريق عبد الفتاح البرهان للانخراط في الاتفاق الإطاري، الذي تمت صياغة مسودته الأساسية داخل مكتب القائد العام للجيش (البرهان)، بحسب قوى الحرية والتغيير وشهود عيان.
صباح 15 أبريل 2023، اندلعت الحرب في قلب الخرطوم. وحتى اللحظة، لم يحسم علنًا من أطلق النار أولاً – لكن المؤكد أن الطرفين دخلا الحرب باعتبارها حتمية سياسية، لا حادثاً طارئاً. وأن الدعم السريع لم يكن قوة خارج النظام، بل جزءاً أصيلاً من معادلة السلطة قبل أن يتحول إلى خصم كامل في لحظة تحلل الدولة.
سقوط الفاشر، يوم الأحد، لا يُقرأ باعتباره تقدماً لطرف على حساب آخر، بل بوصفه سقوطاً تدريجياً لآخر ما تبقى من مفهوم الدولة المركزية. فحكومة الأمر الواقع في بورتسودان تبدو عاجزة عن إنتاج شرعية أو مشروع وطني جامع، وتتحرك بمنطق رد الفعل لا بمنطق إعادة بناء الدولة.
السودان الآن، فعلياً ليس في حربٍ بين قوتين فقط – بل في لحظة أخطر: لحظة (سودان بلا دولة)!