في ذكرى انقلابه.. البرهان الجنرال الذي أطلق النار على حلمه 

بقلم : الزين عثمان

صباح 25 أكتوبر قبل أربعة أعوام نفذ البرهان ونائبه حمدان انقلابهم على حكومة ثورة ديسمبر، في الحقيقة نفذوا “الخطة ب” بعد أن فشل مشروعهم الأول الخاص بفض اعتصام القيادة في قتل الثورة وحلم أصحابها في سودان الحرية السلام والعدالة.

يومها تم الزج برئيس الوزراء عبد الله حمدوك وبعض وزرائه في السجون ومعهم قيادات المجلس السيادي من المدنيين وأعضاء لجنة تفكيك التمكين، فيما امتلأت الشوارع بالرافضين للانقلاب المنادين بحل المليشيات وعودة العسكر للثكنات . 

استجابة لمطالب اعتصام “الموز” الذي نفذته قوى سياسية بالتضامن مع حركات الكفاح المسلح “قوى جوبا”، وعند الصباح الباكر خرج البرهان على التلفزيون معلناً حل الحكومة الانتقالية وإقالة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك وفرض حالة الطوارئ، متعهدًا بترتيب السلطة واستعادة “الاستقرار”، مؤكدًا أن الجيش سيظل ملتزمًا بالتحول الديمقراطي لكنه يتحكم في القرارات الرئيسية. 

يومها برر “البرهان” إطاحته بحكومة حمدوك بأنها تأتي تجنباً لاندلاع حرب أهلية قال إنها ستشتعل في حال استمرت الحكومة! حسناً في الذكرى الرابعة لأسوأ انقلاب شهده السودان بعد انقلاب 30 يونيو يجد “البرهان” نفسه منفياً من الخرطوم بعد أن أشعل الحرب التي قال إنه أنقلب تفادياً لها، المفارقة هي أن شريكه في الانقلاب يومها هو خصمه في الحرب الآن! المدهش أن البرهان ومناصريه يحملون من انقلبوا عليهم يومها وزر حرب أشعلوها بعد أكثر من عامين من الانقلاب.

في وقت مبكر من قرارات البرهان تنبأ الحاج وراق بالمآلات حيث قال إن الانقلاب سينفجر من داخله، وأضاف إذا حاول (الانقلابيون) استكمال ما بدأوه سيكسرون أرجلهم، موضحاً بأنه انقلاب (خلاقة) يعتمد على قاعدة الإسلاميين، ويريد أن يطبع مع إسرائيل، ويتحالف مع الإمارات والسعودية ومصر. ما قاله وراق يومها أثبتت التطورات صحته لاحقاً، حيث انفجرت الأوضاع بفعل الحرب وهو ما يؤكد على أن الحرب المشتعلة الآن بين شركاء 25 أكتوبر هي بنت الانقلاب الذي كشف عن نفسه بقرارات أعادت الفلول لقواعد سلطتهم سالمين وغانمين، مثلما فعل بـ”الممحاة” لقرارات لجنة تفكيك تمكين نظام الثلاثين من يونيو.

بالنسبة للكثيرين فإن انقلاب 25 أكتوبر كان هو الطلقة الأولى في حرب أبريل فهو أول انقلاب يحدث وتكون المؤسسة العسكرية فيه غير موحدة، وهو ما أشار إليه عضو مجلس السيادة المنقلب عليه محمد الفكي، الذي أشار للقرارات التي اتخذها البرهان إبان حكم المجلس العسكري وحرر بموجبها قوات الدعم السريع بالكامل عن الجيش.

وكشف الفكي أنه وفي اجتماع يوم 18 يونيو 2021 تحدث البرهان بصوتٍ مسموع أمام الحاضرين بأن تحرك الدعم السريع على الأرض في كثير من الأحيان لا يكون بتنسيق مع الجيش، وأنه كقائد عام لا يعلم بالضرورة تحرك هذه القوات، وقد كانت لحظة حديثه هذه مزلزلة للجميع لأنه كشف للقيادة المدنية لأول مرة أن البلد بها جيشان فعلاً لا يوحدهما إلا التفاهمات المستمرة بين القائدين، وأنه إذا حدث أي اختلاف بين القائدين فإن سلامة البلاد سوف تكون في امتحانٍ حقيقي. 

وقال الفكي إن القوى المدنية ظلت تقدم تنازلات بصورة مستمرة من أجل الحفاظ على هذا التوازن الحرج، وفي الوقت الذي تمتعت فيه القوى المدنية بنظرةٍ استراتيجية ثاقبة وصبر لا ينفد على الاستفزازات المتتالية خشية انفلات هذا التوازن الحرج، غابت هذه التقديرات عن القيادة العسكرية التي يفترض أنها أكثر علماً بحكم المعلومات المتدفقة إليها. ووجودهما داخل هذه الأجهزة لسنوات طويلة وأن مخاطر القيام بانقلاب عسكري في ظل تعدد مراكز القوى العسكرية مغامرة محفوفة بمخاطر سرعان ما أثبتت الأيام صدقيتها، وبعد يوم واحد من الانقلاب حدث التباين بين قياداته ثم تسارعت الأمور وصولاً إلى الحرب ولم تستطع القوى المدنية لعب دورها بفاعلية كما كانت في السابق نتيجة لمحاصرتها بالاعتقالات والاختراق والتقسيم الذي استمرت الأجهزة الأمنية في تغذيته. يقول العضو السابق في لجنة التفكيك إنه لو قدر لقيادة الجيش كتابة ورقة تقدير موقف للانقلاب لأسمته “زمن الأخطاء”.

عقب الانقلاب تحول حلم الجنرال إلى “كابوس” وانتهت قرارات إصلاح المسار لخراب وطني شامل، خراب لم يتوقف عند تحول شركاء الانقلاب إلى أعداء الحرب فحسب، ففي يوم الانقلاب كان البرهان قائداً عاماً للجيش السوداني الذي يبسط سيطرته على كامل السودان، وهو الأمر الذي لم يعد متاحاً الآن، ففي الذكرى الرابعة للانقلاب يفقد الجيش سيطرته على الفرقة السادسة في الفاشر وهي آخر فرقة كان يبسط سيطرته عليها في إقليم دارفور بعد تساقط الفرق والحاميات في يد قوات الدعم السريع، التي قامت بتشكيل حكومة موازية في مناطق سيطرتها محولة البرهان لرئيس مجلس السيادة من بورتسودان على جزء من بلاد يهددها سيناريو التقسيم والتدخلات الخارجية في حال استمرارية النزاع بين قائد الانقلاب ونائبه وشريكه يومها. 

في حلمه نحو الصعود قاد “البرهان” نفسه والسودان نحو رحلة الانحدار الكبرى، انحدار صار مهددًا لوحدة القوات المسلحة كمؤسسة ينظر إليها بأنها ظلت على الدوام ضامنة للوحدة السودانية، في ظل تجاذب الانتماءات بين مكونات الدولة السودانية، ولأربع سنوات ظل البرهان يطارد الشرعية داخلياً وهو العاجز عن تشكيل حكومة، وخارجياً عن تحصيل قبول إقليمي أو دولي لينتهي الأمر به في نهاية المطاف في مواجهات ضغوط بدات بالتراجع عن الانقلاب والآن للتراجع عن الحرب، بعد أن صار هو الرجل الذي أطلق النار على حلمه قبل أن يشعل حربًا في بلد كامل .

 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى