
إبراهيم هباني
(احفظوا السودان).. شعار خرج من تحت الركام، ليذكّر العالم أن هذا الوطن لا يستحق أن يُدفن كل يوم.
وطنٌ رفعه أطفالُ النزوح، وطلابُ الجامعات، والفنانون في المنافي. ثم تجاوب معه العالم، من مدريد إلى لندن، حين ظهر نجم ريال مدريد ومنتخب إنجلترا جود بيلينغهام يحمل لافتة “Save Sudan”. فالتقطها العالم كصرخةٍ للضمير الإنساني. ومنذ تلك اللحظة، صار السودان حاضراً في وجدان الملايين، لا كخبرٍ عابر، بل كقضيةِ عدالةٍ إنسانيةٍ تُلهم الشعوب.
وفي الوقت الذي يهتف فيه العالم: (احفظوا السودان وأوقفوا الحرب)، يخرج من داخل البلاد وخارجها دعاةُ الحرب، بخطابٍ يقطر تحريضاً وكراهية.
قادةُ الحركة الإسلامية، وعلى رأسهم علي كرتي وأحمد هارون المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية، يُعيدون لغةَ (الجهاد) نفسها التي دمّرت البلاد في التسعينات.
يتحدثون عن (معركة الكرامة) من شرفاتٍ آمنةٍ في الداخل والخارج، بينما يدفن السودانيون أبناءهم في صمتٍ موجع. وزبانيّتهم وعائلاتهم يعيشون في رفاهيةٍ تُسخِر من أهلنا في مضارب النزوح واللجوء، الهاربين من حربهم العبثية كما وصفها أحدُهم، الجنرال البرهان نفسه.
يُرسِلون أبناء الشعب العزيز المحترم إلى الموت، ويحتفظون بأبنائهم في مدنِ الرفاه، ثم يطلّون عبر أبواقهم الإعلامية، يروّجون للشهادة والبطولة، وكأنهم يسخرون من جراحِ وطنٍ ينزف.
هذه الحقيقة يعرفها الجميع، في الداخل والخارج، وهو أمرٌ معلومٌ للعالم الحر، الذي يراقب عن كثب: من أشعل الحرب، ومن يتهرب من تبعاتها.
وكما قال الكاتب الصحفي الأستاذ محمد لطيف:
“من له مصلحةٌ في استمرار الحرب معروف، ومن يدفع الثمن معروف أكثر. فكلما طال أمدُ القتال، اتسعت دائرةُ الإفلات من العقاب، وتبدد حلمُ العدالة. هؤلاء لا يخافون الهزيمة، بل يخشون السلام، لأن السلام يعني المحاسبة ونهاية الامتيازات.”
حربُ السودان العبثية، لم تعد صراعاً بين جيشٍ ومليشيا، بل مواجهةً بين من يريد استعادة الدولة، ومن يريد اختطافها مجدداً باسم الدين.
فمن أشعل الحرب ليحكم، سيُشعلها كلما اقترب الناس من السلام، لأن وجوده مرهونٌ بالفوضى.
إنّ شعار (احفظوا السودان) لم يعد نداءً عاطفياً، بل مشروعاً سياسياً وأخلاقياً لشعبٍ يريد الحياة.
فالسودان لا يحتاج إلى مزيدٍ من الخُطب، ولا إلى (ملاحم الجهاد)، بل إلى صوتٍ واحدٍ يقول بوضوح: كفى حرباً!
الشعبُ السوداني العظيم، بتنوعه وثقافاته الممتدة من النيل إلى دارفور، إلى سنار، إلى الشرق الحبيب، لا يريد أكثر من دولةٍ مدنيةٍ ديمقراطيةٍ تعبّر عن إنسانيته.
لا حلّ إلا السلام، ولا خلاصَ إلا بكبحِ جموح الإخوان المسلمين، الذين لا يعيشون إلا وسط الرماد.
فليرتفع الشعار من جديد: احفظوا السودان — من نيرانهم، ومن نفاقهم، ومن حربٍ لم تعد سوى تجارةٍ بدماء الأبرياء.