هدنة أو نهاية!

بدون تعقيد

بقلم: إبراهيم هباني

في القاهرة هذا الأسبوع، حمل مستشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مسعد بولس، رسالة تبدو بسيطة: ثلاثة أشهر من الهدنة، وتسعة للحل السياسي، برعاية الرباعية – الولايات المتحدة، مصر، السعودية، والإمارات. لكن الرسالة في جوهرها تبدو أكثر من مجرد مبادرة، بل آخر خيط يربط السودان بفكرة أن يظل دولة.

الحرب التي أشعلت تحت شعار “كرامة الوطن” تحولت إلى حرب استنزاف وجب سحيق يبتلع أبناءه ويجردهم من أي ملامح للكرامة، فلا الجيش انتصر وحسم المعركة، ولا الدعم السريع انهزم ورفع راية الاستسلام! بل ولا يبدو حتى أن أحد الخيارين قد يفرض نفسه كبداية لخارطة تفضي لأي طريق كان، فيما تداعت في الأثناء المؤسسات وعادت المدن أدراجها إلى الوراء نحو سبعين عاما.

بولس جاء ليقول إن الفرصة لا تزال قائمة إذا قرر قادة الحرب التوقف قبل الانحدار إلى الهاوية، وهي رسالة ودودة الملامح هادئة العبارات، لكنها قد تنفجر في وجه الجميع إذا تقلب مزاج ترامب!

الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان يكرر أن “لا إملاءات خارجية”، لكنه يعي تماماً أن الحرب استنزفت قدراته وأضعفت شرعيته. والدعم السريع فقد كثيرا من تعاطف الخارج، وبات أكثر استعدادا للتعاطي مع أي مبادرة تحفظ له موقعاً سياسياً.

وبين قوسي هذه المعادلة التي يقرها الواقع تبرز الهدنة كخيار لا يرفضه عاقل!

فيما تظل المشكلة الأعمق داخل بيت السلطة نفسه. فالحركة الإسلامية التي استعادت نفوذاً داخل مؤسسات الدولة ترى في الحرب طريقاً لعودةٍ لا تريد أن تفوتها. لذلك هي تضغط لتأجيل أي تسوية قد تُخرجها من المعادلة. هنا يتقلب البرهان بين واجب الدولة وإرث التنظيم، بين عقلية الجنرال وضغوط الحلفاء، والوقت لا ينتظره!

الهدنة المقترحة قد لا تكون مرضية لأي طرف، لكنها قد تُنقذ الجميع. فهي لا تعني استسلاماً، بل توقفاً مؤقتاً يسمح للحياة بالعودة، وللسياسة بأن تتنفس بعد عامين من الجنون. ورفضها ليس بطولة، بل مقامرة بمستقبل وطن بأكمله.

السؤال اليوم ليس من ينتصر في الحرب، بل من يملك شجاعة إنهائها. لأن التاريخ ربما سيذكر من أطلق الرصاص، لكن ليس بذات الاحتفاء الذي سيذكر به من أوقفه. وفي لحظة الحقيقة، سيبقى السودان بين خيارين لا ثالث لهما: هدنة أو نهاية.

Habbani52@gmail.com

Exit mobile version