
أفق جديد
يعيش سكان مدينة “الأبيض” عاصمة ولاية شمال كردفان، قلقًا وتوترًا بالغًا إزاء تهديدات قوات “الدعم السريع” باجتياح المدينة ما أدى إلى موجة نزوح عكسية إلى ولايتي الخرطوم والنيل الأبيض، الأمر الذي يعكس أزمة تصاعد أعمال العنف وتهديد حياة المواطنين الآمنين.
وأبلغ شهود عيان “أفق جديد”، ببدء موجة نزوح من مدينة “الأبيض” نحو ولايتي النيل الأبيض والخرطوم عبر الحافلات السفرية والسيارات الخاصة نحو مدينتي أم درمان وكوستي.
“وصلت أسرتي من الأبيض إلى كوستي، ثم عبرت الحدود إلى دولة جنوب السودان” يقول عبد الرحمن العباس لـ”أفق جديد”، ويضيف بالقول: “سكان مدينة الأبيض يعيشون حالة من الخوف والقلق بعد تهديدات قوات الدعم السريع اجتياح المدينة”.
وأضاف: “أسرتي وصلت إلى مدينة الجبلين وفي طريقها إلى الرنك وجوبا. نشعر بعدم الأمان بعد اشتداد المعارك في ولاية شمال كردفان واجتياح بارا وزريبة الشيخ البرعي”.
من جهتها تقول المواطنة حنان الطريفي لـ”أفق جديد”: “واجهتنا صعوبة كبيرة في الحجز عبر الحافلات السفرية المتجهة إلى أم درمان. الناس قلقون ويريدون الخروج من المدينة”.
وتابعت بالقول: “المدينة تعيش حاليًا في أمان، لكن الشائعات باقتراب الدعم السريع لمحاصرتها أدخلت الرعب في نفوس المواطنين”.
وخلال الأيام الماضية شهدت ولاية شمال كردفان موجة نزوح متسارعة من محلية “بارا” باتجاه مدينة الأبيض نتيجة لتدهور الأوضاع الأمنية واستمرار انتهاكات الدعم السريع ضد المدنيين.
وقالت رئيس تحرير صحيفة “التغيير” الإلكترونية، رشا عوض في تدوينة عبر صفحتها الرسمية على “فيس بوك”: “لا غرابة في الأنباء المتداولة عن تدابير اتخذتها الحكومة لمنع سكان الأبيض من مغادرتها. إنهم يخططون لتحويل الأبيض إلى فاشر أخرى، وهذا يتسق مع منهجهم في هذه الحرب الذي يتمثل في إتاحة الفرصة للجنجويد بارتكاب أكبر قدر ممكن من الانتهاكات ثم استخدامها – أي الانتهاكات- كعدة شغل سياسي للتعبئة ضد الجنجويد محليًا وعالميًا”.
وأضافت: “ما يجري هو فضيحة للجنجويد الذين بمجرد سماع المواطنين واقترابهم من مدينة ما يهربون منها جماعيًا لأنهم لا يتوقعون سوى الانتهاكات والجرائم، وفضيحة للجيش الذي لا يوفر حماية للمدنيين وفي الوقت ذاته يعرقل هروبهم لاستغلالهم كدروع بشرية أو مخزون للتجنيد ويتعامل مع الانتهاكات كاستثمار سياسي”.
وذكرت مصفوفة التتبع الميداني التابعة للمنظمة الدولية للهجرة، أن نحو 2,600 شخص نزحوا من ولاية شمال كردفان خلال يومي 28 و29 أكتوبر الماضي نتيجة لتزايد انعدام الأمن وتدهور الأوضاع الميدانية في الولاية.
وأوضحت المصفوفة أن غالبية النازحين، والبالغ عددهم نحو 2,250 شخصًا غادروا مدينة الأبيض بمحلية شيكان، فيما نزح نحو 350 شخصاً من مدينة الرهد بمحلية الرهد.
وذكرت أن مجموعة النازحين توزعت على مواقع مختلفة في ولايات النيل الأبيض والخرطوم والجزيرة، في ظل ظروف إنسانية صعبة ونقص في الخدمات الأساسية.
يأتي ذلك بعد تهديدات قوات الدعم السريع باجتياح مدينة الأبيض الواقعة تحت سيطرة الجيش السوداني منذ بداية الحرب قبل أكثر من عامين.
وكانت قوات الدعم السريع قد فرضت سيطرتها مؤخرًا على مدينة بارا القريبة من مدينة الأبيض في الاتجاه الشمالي الشرقي، بينما هاجمت مواقع في الاتجاه الجنوبي والجنوب الشرقي في محاولة لحصار المدينة.
وكانت تقارير مصفوفة النزوح أشارت في وقت سابق إلى أن محليات بارا، وأم دم حاج أحمد والرهد وأم روابة شهدت جميعها حوادث نزوح متكررة نتيجة لتزايد التوترات الأمنية والهجمات المسلحة.
وحذرت تنسيقية لجان المقاومة في الفاشر غربي السودان، من أن قوات “الدعم السريع” بدأت بالتحشيد وإلقاء ثقلها العسكري على إقليم كردفان، خاصة شمال كردفان، وأشارت إلى أنها اتخذت طريقها بوضوح لمحاولة إعادة حصار مدينة الأبيض، مركز ولاية شمال كردفان، بدلًا من التقدم نحو بابنوسة كما كانت التوقعات.
وقالت التنسيقية في بيان نشرته عبر صفحتها الرسمية على “فيس بوك”: “تحاول المليشيا جاهدة إعادة حصار مدينة الأبيض لعلمها التام بأهميتها الاستراتيجية في إدارة عمليات إقليم كردفان في الزحف نحو دارفور”، وحذرت من أنه “ما لم تنفتح قواتنا في جميع المحاور، وتتقدم في وقت قريب، ربما نشهد المزيد من الانتكاسات الكبيرة والتراجعات الميدانية”.
وفي 6 يوليو الماضي، قالت حكومة ولاية شمال كردفان إن الأبيض، عاصمة الولاية، استقبلت عشرات الآلاف من النازحين من عدة قرى تهاجمها قوات الدعم السريع، وسط تسجيل حالات إصابة ووفاة بالكوليرا.
وتنتشر الدعم السريع في مناطق الخوي والنهود غربي الأبيض، وفي منطقة بارا شرقي المدينة، فضلًا عن سيطرتها على بلدات “كازقيل” و”الدبيبات” جنوب ولاية شمال كردفان.
وحسب مفوض العون الإنساني بحكومة ولاية شمال كردفان، محمد إسماعيل، فإن الأبيض استقبلت أكثر من 600 أسرة نازحة – أي نحو 30 ألف فرد – من قرى شمال مدينة بارا بسبب مهاجمة قوات الدعم السريع لهذه القرى.
وفي يوليو الماضي قالت منظمة الهجرة الدولية، في بيان إن “3,260 أسرة نزحت من عدة قرى في محلية بارا بسبب تزايد انعدام الأمن”، وأشارت إلى أن الفارين نزحوا من 12 قرية على الأقل، منها أم قرفة، والمرخة، وأم تراكيش.
وطبقًا للمنظمة، فإن النازحين فرّوا إلى مناطق في محلية شيكان وأم دم حاج أحمد في شمال كردفان، والعباسية في جنوب كردفان، وتندلتي وكوستي في ولاية النيل الأبيض، وأم درمان بولاية الخرطوم.
وفي نهاية يونيو الماضي، هاجمت قوات الدعم السريع قرى بمحلية شيكان، منها “لمينا” و”ألحقونا”، جنوبي مدينة الأبيض، في محاولة ترمي إلى تضييق الخناق على المدينة.
ويخشى مراقبون من تفاقم الأوضاع الإنسانية في المناطق المتأثرة بالاشتباكات نتيجة استمرار موجات النزوح واستهداف المناطق المدنية.
وتقول الأمم المتحدة، إن السودان الذي كان، حتى قبل الحرب، من أفقر بلدان العالم، يشهد “واحدة من أسوأ أزمات النزوح في العالم، وهو مرشح لأن يشهد قريبًا أسوأ أزمة جوع في العالم”.
ويحتاج 30.4 مليون سوداني – 64% من السكان – إلى مساعدات إنسانية هذا العام، وكانت الأمم المتحدة تخطط لمساعدة قرابة 21 مليونًا منهم قبل أن تقلص العدد إلى 17.3 مليون شخص جراء نقص التمويل.
ويخوض الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل/نيسان 2023 حربًا أسفرت عن مقتل أكثر من 20 ألف شخص ونزوح ولجوء نحو 15 مليونًا، بحسب الأمم المتحدة والسلطات المحلية، بينما قدّرت دراسة أعدتها جامعات أمريكية عدد القتلى بنحو 130 ألفًا.