المرء مع من أحب.. عن عاشق السودان بروف ستيف هوارد 

بقلم د. عبد الله عثمان

(أحمدوا الله أنكم سودانيين

باااااالغوا في الحمد أنكم سودانيين)!!

الأستاذ محمود محمد طه

:::

Don’t forget Sudan

ليلتصق لساني بحنكي إن أنا نسيتك يا (أورشليمنا)

 

‘Let my tongue stick to the roof of my mouth if I forget you, Jerusalem.’

:::

وأى عاشق لو تغنى

 قلت لازم شاف عينيك

:::  عدت منذ أيام من واشنطون.

سعدت أن ألتقيت وزرت العاشق المتبتل فى محراب السودان الأخ بروف Steve Howard   في منزله بدعوة كريمة منه.

المنزل عبارة عن متحف أفريقي، وجله سوداني.

تزين جدرانه قباب العركيين، ولوحات متناثرة هنا وهناك لتشكيليين سودانيين. أباريق ولوح عتيق من همشكوريب وبنابر تقليدية وبخسة وبروش وطباقة من دارفور.. إلخ إلخ، هذا فضلًا عن كتب للسودانيين وعن السودان وصور وغير ذلك.

قال بروف ستيف فى حوار أجرته معه جريدة (الصحافة) عام 2003 إن (صرتو مدفونة في رفاعة). وذكر أيضًا في الحوار ذاته أنه يحرص على الإكثار من زياراته للسودان، ويسوح فى مقامات أوليائه الصالحين ليملأ بئره روحًا. لذلك لم يكن غريبًا أن جعل شعار معهد الطفل الإفريقي الذى قام بتأسيسه فى جامعة أوهايو صورة التقطها في إحدى سياحاته لمجموعة أطفال فى خلوة القرآن بمسيد الشيخ موسى أب قُصا أحد أولياء اليعقوباب بمنطقة جنوب الجزيرة، وهم يتحلقون على (قدح عصيدة) إذ رأى فى المشهد أسمى تجسيد لتعليم النشء قيم الاشتراكية والمحبة.

 عندما خرجت منه أهداني طاقية تزينها كلمة السودان وكل طواقيه التي يلبس بها دبوس أو علم السودان.

تعود علاقة العشق بين بروف ستيف والسودان لأكثر من ٤٢ عامًا حينما وفد إليه في مهمة أكاديمية بحثية ومهمة روحية بحثًا عن الحقيقة والمعاني السامية، حينها التقى الأستاذ محمود والجمهوريون فأسلم والتزم طريق محمد ولزم الخدمة ولا يزال.

فى سنواته الأولى بالسودان وأثناء معايشته وتجواله بين طبقات المجتمع المختلفة تعلم البروف ستيف اللهجة العامية السودانية دون أن يكون درس اللغة العربية قبلها. وخلال سنوات ارتباطه بالسودان عمل بالتدريس فى جامعة الجزيرة وجزئيًا بجامعة الخرطوم وجامعة الأحفاد وساعد الأخيرة لتحظى بمنح أمريكية سخية.

طاف بروف هوارد معظم مدن وقرى السودان، ويختزن من تطوافه الواسع هذا بين الربوع  علاقات وقصص وحكاوى وطرائف تدهش وتطرب مجالسيه السودانيين قبل الأجانب.

سكن الخواجة بيوت الإخوان الجمهوريين، عاش تقشفهم أيام الحركة وجلس على البروش لتعلم الأدب عند الصوفية، ولبس العراقى والسروال وربط التِكّا، وأحب الكسرة بملاح أم شِعيفة وشراب (الآب ري حسب البروف عبد الله الطيب)، ودس (حق اللبن) تحت وسادة النفسا، وشال الفاتحة فى المآتم، ويحكي ضاحكًا أنه التقط تهامس البعض حينما ذهب لعزاء فى ود مدنى برفقة الإخوان: (أحسن حاجة عملوها الجمهوريين إنهم علّموا الخواجة الكافر ده يشيل الفاتحة).

عمل بروف هوارد على توفير مئات المنح السخية للطلاب الأفارقة وخاصة السودانيين للدراسات العليا فى مختلف التخصصات بجامعة أوهايو حيث كان يعمل، مستغلًا في ذلك مهاراته الأكاديمية والإدارية إقناع الممولين، وإضافة إلى ذلك فقد تميز البروف أيضًا بجانب إنساني لعله قد ورثه من الطبع السوداني الأصيل، وهو أنه أعتاد على توفير سكن لكثير من الطلاب الوافدين من إفريقيا في منزله الخاص يقيمون فيه حتى تستقيم لهم أمورهم على خير ما يحبون، ويضاف إلى ذلك أنه، وكمرب فذ، يظل على تواصل دائم مع طلابه حتى بعد تخرجهم ويزورهم في بقاعهم المختلفة وينشئ العلائق مع أطراف أسرهم، وقد شهدت منه ومعه هذا الصنيع في غانا وفي السودان وفي أمريكا وفي قطر.

:::

في قميصه الذي يلبس هنا يقول: (لا تنس السودان)

وهو بالفعل لا ينساه فقلبه معلق به وحيث (يكون كنزك يكون قلبك)، كما قال سيدنا المسيح عليه السلام، وكان من خططه أن يستقر بالسودان ولا يزال وفى أمريكا نفسها لا تراه إلا بين السودانيين.

ساعد بروف ستيف هوارد عشرات الطلاب السودانيين، وأنا منهم، للحصول على درجات الماجستير والدكتوراه، بل ونالت زوجات بعضهم درجة البكالوريوس من جامعة أوهايو، ولا غرو أن كرمته الجالية السودانية بولاية أوهايو باحتفال فخيم وأهدته درعًا تذكاريًا يعتز به ويعلقه في صدر صالون منزله.

وبفضل جهوده صار للسودان ولشهادات الجامعات السودانية اعتبارًا في جامعة أوهايو وتقبلهم للدراسات العليا بلا تردد، كما كان في السابق، إذ أثبت السودانيون كفاءتهم وكانوا غالبًا ما يتبوأون فيها المراكز العُلى ويُعزى كل ذلك لمجهودات بروف هوارد.

:::

إبان رئاسته لمعهد الدراسات الإفريقية فى جامعة أوهايو أقام بروف هوارد فعالية للتعريف بالرياضة في أفريقيا، وكان المتحدث الرئيس فيها نجم كرة السلة السوداني الشهير الراحل مانَوت بول. كذلك، وفي أسبوع ثقافي قام بدعوة د. النور حمد الذي غنى للكابلي وعبدالقادر سالم وغيرهما وتفاعل معه الجمهور كثيرًا.

:::

أيضًا دعا عدد من العلماء السودانيين، أكثر من مرة، ليحاضروا في الجامعة منهم بروف عبدالله النعيم، ود. أسماء حليم وبروف. بلقيس بدري والراحل د. الباقر العفيف.

وأسهم البروف ستيف بعدد من الأوراق والمقالات العلمية عن الأستاذ محمود وأفكاره إضافة إلى مواضيع سودانية مختلفة خلال مشاركاته فى مؤتمرات الدراسات الإفريقية والسودانية بأمريكا وخارجها، كما دعا علماء أمريكيين كبار للحديث عنه في المؤتمرات والاحتفالات التي نظمها في جامعته. وقد شجعني في ذات المنحى لتقديم سمنار تعريفي بالسودان لطلاب مدارس ابتدائية بأوهايو.

:::

فى العام 2001 أقام احتفالًا بالأستاذ محمود محمد طه تحت مسمى (بطل أفريقي) ودعا له المنشدة الجمهورية الراحلة الأستاذة إخلاص هِمِد، وأعتقد أنه كرّم في احتفال مماثل الراحل د. منصور خالد أيضًا.

:::

وفى يناير 2009 وبمناسبة مرور مائة عام على ميلاد الأستاذ محمود محمد طه أقام احتفالية كبرى تضمنت مؤتمرًا علميًا بعنوان:

(the Progressive Islam -(الإسلام التقدمى)

 دعا له شخصيات أكاديمية وسياسية مرموقة بينهم البروفيسور كورنيل ويست إلى جانب عدد من السودانيين منهم الأستاذ الجامعي سابقًا والموظف الأممي والكاتب السوداني الدكتور أسامة عثمان وزوجته الأميركية العمانية الأصل، السيدة أميمة باقر.

وقام الاخ أسامة بتغطية وقائع الاحتفال بمقالين ضافيين نُشرا فى صحيفة الصحافة وعدد من المواقع الالكترونية السودانية.

أنتج البروف هوارد لتلك الاحتفالية وعرض فيها فيلمًا وثائقيًا بعنوان (لمحات من حياة الأستاذ محمود)، مزج فيه بين عاطفة التلميذ المُحب ورصانة عالِم الاجتماع المُدقق وإحترافية المخرج وكاتب السيناريو .

:::

قام بروف هوارد بتأليف كتاب عن تجربته في السودان تحت عنَوان:

(Modern Muslims- المسلمون الحديثون)

وفى لمسة وفاء تنم عن الأصالة وعمق العاطفة وضع على غلافه صورة للراحلين محمد الحسن أفندينا وحاجة الروضة، وهما من أبكار الجمهوريين في مدينة رفاعة، إذ يعدهما ستيف بمثابة والديه.

ويدرس هذا الكتاب الآن في عدد من الجامعات الأمريكية.

وللبروف هوارد كتاب آخر قيد الإعداد الآن بعنوان:

(كلنا محمود –

(We Are All Mahmouds

:::

كتب البروف مقدمة ضافية لكتاب المربي الراحل الأستاذ علي لطفي عن الأحاجي السودانية الذي كتبه بالإنجليزية تحت عنوان:

The Cleaver Sheikh of) Butana- شيخ البطانة الذكى )

:::

 وحفاوة باللهجة السودانية الدارجة التى يتحدثها البروف تقدم بمقترح لقسم اللغويات بجامعة أوهايو لاعتمادها ضمن موادها التي تدرسها للطلاب، وقد وافق القسم على المقترح وانشأ فصلًا لذلك وخصصت لي منحة دراسية سخية لتدريس هذه اللهجة لعدة سنوات ولا يزال الفصل مفتوحًا للطلاب.

وبفضله كرمت الجامعة السودان في شخصي إذ اختارت صورة لي بالزي السوداني الجلابية والعمة وعلقتها في كل شوارع ومنتديات مدينة اثنز حيث مقر الجامعة، وذلك لاستقطاب الطلاب الجدد وإبراز وجه التنوع في الجامعة العريقة.

بعدما غادر السودان عاد إليه  كأول أستاذ زائر على برنامج (فلبرابت) للتبادل الثقافي عام 2017، وكان قد توقف عن السودان لقرابة ثلاثة عقود. عمل خلاله بالتدريس فى جامعة الأحفاد لمدة عام دراسي كامل.

ونظرًا لجهوده الأكاديمية المتميزة في تعزيز العلائق بين السودان وأمريكا، كرمته السفارة الأمريكية بالخرطوم بعد انتهاء فترة البعثة في احتفال كبير بمبانيها في سوبا، دعت له ورحبت فيه بالكثير من أصدقائه ومعارفه وقدمت خلاله فاصلًا من الإنشاد العرفاني من الجمهوريين تجاوبًا مع طرب البروف له.

في ذلك الاحتفال قال عنه القائم بالأعمال الأمريكي: (إن واشنطن تعتبره أهم خبير أمريكي فى الشؤون السودانية) .

وقال البروف ستيف عن نفسه فى كلمته بذلك الاحتفال: (أنا الأمريكي الوحيد الذي يستطيع التفريق بين مُلاحي أم شِعيفة وأم رُقيقة) .

:::

 ختامه مسك:

بعدما تقاعد بروف ستيف تبرع بجُعلٍ جد سخي من مدخراته لمساعدة الطلاب الأفارقة للقدوم لأمريكا في منح باسم الأستاذ محمود محمد طه في إحدى جامعات ولايات كالفيورنيا.

:::

 

قالت عنه زوجة الأستاذ محمود، أمنا آمنة لطفي بإعجاب، لزوجة الأخ دكتور مصطفى الجيلي الأخت الراحلة نجاة عثمان، كأنها تحثها على الالتزام: (شوفي متل دا!! جا من أمريكا بقى جمهوري).

:::

قال عنه تلميذ الأستاذ محمود الأكبر الأستاذ سعيد الطيب شايب: (ستيف بطل من الأبطال).

كذلك قال عنه كبير الجمهوريين الراحل الأستاذ عبد اللطيف عمر حسب الله: (ستيف أحد الأولياء الكبار المخفيين).

فى حوار جريدة الصحافة المشار إليه آنفاً ذكر ستيف أن أهم شيء حدث له في حياته هو مجيئه السودان وملاقاته الأستاذ محمود والتزامه الفكرة الجمهورية .

:::

احمدوا الله إنكم سودانيين

باااااالغوا في الحمد أنكم سودانيين

Exit mobile version