“انفست إن”.. بين الاستثمار والاحتيال ضاعت الأموال 

أم سلمة العشا

تعرض آلاف السودانيين إلى عمليات احتيال استثماري عبر شركة “انفست إن” للاستثمار، ووقع كثيرون في عملية الاحتيال نتيجة وعود وهمية لتحقيق أرباح ضخمة وثروات طائلة في زمن قياسي، غير أن الوعود تبددت إلى مخاوف بسبب تماطل وتململ الشركة في الإيفاء بما وعدت به، وبين ليلة وضحاها راحت آمال وأحلام المساهمين أدراج الرياح دون أن تتحقق أهدافهم.

تقدَّر قيمة أسهم الضحايا بمبلغ (73) مليون دولار، وتتقاضى الشركة مبالغ مالية مقابل شراء الأسهم، وتصل قيمة السهم الواحد إلى (30 ألف جنيه سوداني)، وتتراوح أرباح السهم بين (7–8) آلاف جنيه سوداني كل شهرين.

وأغرت الشركة الكثيرين  بتحقيق أرباح مالية ضخمة وسريعة عند الاستثمار، وبلغ عدد المشاركين في الشركة (36,000) ستة وثلاثين ألف سوداني، بمجموع (1,600,000) مليون وستمائة ألف سهم، وقيمة السهم (30 ألف جنيه سوداني).

تحدث المنتصر بالله، أحد المساهمين في شركة انفست إن للاستثمار، لـ(أفق جديد) بحسرة كست صوته قائلاً إن “ما حدث باختصار عملية نصب ممنهجة من مجموعة استدرجت عطف الناس وأخذت أموالهم بالباطل، من قبل الشركة ممثلة في رئيس مجلس الإدارة والمدير العام والمدير التنفيذي.

وأضاف أن إدارة الشركة استطاعت أن تخدع مجموعة كبيرة من المواطنين وموظفي الدولة وبعض منتسبي الأجهزة الأمنية والعسكرية، واستلمت أموالًا قيمتها (80) مليون دولار، ومن ثم الهروب إلى دولة الإمارات وسلطنة عمان.

يمضي المنتصر في حديثه لـ(أفق جديد) قائلاً إن بداية مساهمته في الشركة كانت منذ العام 2021، حيث اشترى (1050) سهماً وتبلغ قيمة السهم الواحد (30 ألف جنيه سوداني)، وأنه تسلم أرباح بعض الدورات والبعض الآخر لم يتسلمها بعد.

روايات مماثلة لما رواه المنتصر بالله، حيث حكى كثيرون تجربتهم مع شركة انفست إن وكيفية غدرها بمدخراتهم لسنوات طويلة دون أن يجنوا ثمارها، واضعين كل ما يملكون من أراضٍ زراعية ومحال تجارية ومجوهرات ثمينة في أسهم ضاعت هباءً منثوراً.

قال أبو بكر عثمان لـ(أفق جديد): كنت متردداً في البداية وساورتني مخاوف من ناحية شرعية، وبعد الاستفسار علمت أن الأرباح متفاوتة ليست بها حرمة، فقررت المشاركة.

وأضاف، أنه يعمل موظفاً واضطر للعمل الإضافي لجمع مبلغ إضافي يكون بمثابة مصدر دخل مُدَّخر وقت الحاجة. 

ويمضي قائلاً: دخلت مبدئياً ضمن الدورة الأخيرة (38) بـ(16) سهماً لمعرفة الوضع وإمكانية إضافة أسهم لاحقاً، وذكر أنه لم يتسلم أي أرباح، وأفاد أنه سجل للدورة عبر إجراءات شملت توقيع عقد بينه وبين الشركة، ودفع المبلغ وتسلم عقد وإيصال مالي يؤكد صحة الشراكة بين الطرفين بتاريخ 22 شهر فبراير من العام 2023، على أساس استمرار الدورة 45 يوماً، الذي تزامن مع بداية الحرب يوم 15 أبريل.

ربح وطمع

وحسب أميرة معتصم أحد المساهمات فإن المقر الرئيسي للشركة بضاحية أركويت جنوبي العاصمة الخرطوم، ويوجد به موظفون تسلمت منهم العقد المبرم بينها وبين الشركة.

وأضافت: “لم التقِ الإدارة، وإجراءات التسجيل عبر الموظفين فقط دون مقابلة إدارة الشركة”.

وأشارت إلى وجود عقود جاهزة لدى الموظفين لمن يرغب في المساهمة أو الاستفسار، لا تتطلب مقابلة أي مسؤول في الإدارة.

وذكرت أنها ساهمت بمبلغ قيمته حالياً (1400) دولار، وقالت إن دافع الطمع والربح السريع والجهل بالقانون قاد كثيراً من المساهمين إلى إدخال الأرباح كأسهم جديدة في الشركة.

 وأضافت بحسرة: ضاعت حقيبتي وهاتفي الجوال، وبذلك فقدت أملي في إرجاع أموالي بسبب ضياع كل ما يثبت مساهمتي في الشركة.

عمر خليفة أحد المساهمين، بلغت أسهمه (10 آلاف دولار)، لم يجد غير أن يدعو على الشركة بقوله: “حسبي الله ونعم الوكيل بسبب ضياع كل ما يملك”.

 وكذلك جعفر محمد عمر شارك بدل السهم الواحد بمائة سهم خلال الدورة (39)، وأميرة معتصم دفعت مبالغ قيمتها (1400 دولار) خلال الدورتين (30، 33).

بداية مشجعة

بدأت القصة قبل أعوام، حين ظهرت شركة استثمارية تحمل اسمًا جذابًا وواجهة أنيقة، تعد المواطنين بعائد يفوق الخيال من مشاريع في العقارات والطاقة والزراعة وكافة الأعمال التجارية.

إغراءات عديدة للشركة في ظل أوضاع اقتصادية منهارة في تلك الفترة، فكانت بمثابة الجهة الآمنة التي تحفظ لهم أموالهم.

وفي فترة وجيزة أعلنت الشركة عن مشاريعها الاستثمارية ذات الأرباح الضخمة وفي زمن قياسي في كل وسائل التواصل الاجتماعي، وحققت مشاركات واسعة للمساهمين. 

وقال المنتصر بالله إن الشركة مملوكة لرجل أعمال يمني الجنسية، حمير محمد محمد الجبري، ويمثل رئيس مجلس الإدارة، ويظهر في الواجهة اثنان من السودانيين: أريج فهمي محمد علي التي تتولى منصب المدير العام، وعبد القادر عبد الوهاب حسن في منصب المدير التنفيذي، بمشاركة بعض مديري المحافظ الذين تُوكل إليهم مهمة توريد الأموال لإدارة الشركة بعد تسلمها من المساهمين.

وأفاد أن بعض موظفي الشركة مساهمون، والبعض الآخر مديرو مشاريع.

ورداً على السؤال حول قانونية الشركة وتسجيلها لدى مسجل الشركات، أفاد المنتصر بالله أن للشركة سجلاً تجارياً باسم أوشن المميزة المحدودة، ووفقاً لمستند الشركة الصادر عن إدارة التسجيلات التجارية التابعة لوزارة العدل السودانية، وبحسب آخر إيداع مودع بملف الشركة بتاريخ 23/8/2022، أن للشركة اثنين من المساهمين هما: أريج فهمي محمد علي وتمتلك 50%، وعبد القادر عبد الوهاب حسن يمتلك 50% من الأسهم.

كذلك للشركة أعضاء مجلس إدارة يضم حمير محمد محمد الجبري رئيس مجلس الإدارة، ورنا بدر الدين محمد إبراهيم سكرتير مجلس الإدارة، وأريج فهمي محمد علي عضو مجلس الإدارة، وأن المدير العام هو أريج فهمي محمد علي.

عقد اتفاق

وبحسب نص عقد اتفاق الاستثمار، فإن انفست إن للتسوق مسجلة بالرقم التجاري (138701) بموجب الشهادة الصادرة من التسجيلات التجارية بتاريخ 27/7/2020م.

العنوان: أركويت مربع (68)، عقار رقم (7)، رقم الهاتف: 0911098034 / 0911098047.

تعمل الشركة في مجال الأنشطة التجارية والتسويق والمحاصيل الزراعية بأنواعها، واللحوم المذبوحة والحية، والقطن والنسيج، والمواد الغذائية والاستهلاكية، والتوابل، والزيوت الطبيعية، والمنظفات بأنواعها، والملابس، والإكسسوارات، وأجهزة الحاسوب وملحقاته، والفحم، وكل ذلك في الأسواق المحلية والإقليمية (عُمان ـ السعودية ـ تركيا ـ قطر ـ بوركينا فاسو ـ الكويت ـ اليمن ـ الإمارات)، بواسطة مشاريع تمولها وتديرها بشكل مباشر من قبل مشغلين مستقلين بنظام الصفقات التجارية معهم، وبدورات استثمارية قصيرة المدى (67) يوماً، وبعدد (6) دورات خلال (13 إلى 14) شهراً.

تمول هذه الصفقات من خلال التمويل الذاتي والاستثماري بمبدأ الربح والخسارة مع الشخصيات الاعتبارية أو الأفراد، وأقل مبلغ للاستثمار هو ثلاثون ألف جنيه.

نصب واحتيال

غير أن الناشط في محاربة الفساد أبو ستة أبو ستة، الذي يوثق من خلال حساباته الرسمية بوسائل التواصل الاجتماعي (فيسبوك وتيك توك) ملفات لمشاريع فساد كبيرة تضرر منها آلاف الضحايا نتيجة للنصب والاحتيال، تحدث عن قضية انفست إن، التي لها أكثر من (8 آلاف) مساهم.

وقال لـ(أفق جديد) إن بداية الشركة كانت في عام 2014، وكانت تعمل بصورة جيدة، إلا أن المشاكل ظهرت بعد الحرب.

وزاد أن شركة انفست إن هو اسم عمل فقط، وليس هناك شركة مسجلة بهذا الاسم حسب إفادته.

وأطلق أبو ستة اتهامات للشركة بأن لديها تجاوزات كثيرة، وتساءل: كيف لها أن تُخرج إدارة الشركة من السودان وتسحب كل المبالغ من حساباتها البنكية وتغادر والبلاد في حالة حرب؟

ولم يستبعد أبو ستة وقوف نافذين في الدولة إلى جانب الشركة وتلقيها تسهيلات دون أن تعترضها مساءلة قانونية.

تعثر قانوني

وللتعبير عن القضية، أنشأ ضحايا انفست إن صفحة رسمية من خلال إحدى منصات التواصل الاجتماعي (فيسبوك) أُطلق عليها اسم (قضية انفست إن) لمناقشة القضية الجوهرية، وتداعى كل المساهمين داخل السودان وخارجه عبر المنصة للتعريف بحيثيات القضية وتمليك الحقائق والمعلومات حتى لا تضيع حقوقهم التي احتال عليها القائمون على أمر انفست إن.

بعد أن فقد المساهمون الأمل في التواصل مع إدارة الشركة، لجأوا إلى اتخاذ إجراءات قانونية لاسترداد حقوقهم، وشرعوا في تدوين بلاغات في مواجهة إدارة الشركة وهي خارج البلاد.

وبحسب منشورات للمساهمين في صفحة (قضية انفست إن)، خاطب المساهمون الأجهزة العدلية ممثلة في النائب العام والمسجل التجاري للبت في أمر القضية، ولكن لا حياة لمن تنادي.

عقب ذلك أطلقوا مناشدة لوزير العدل بالتحرك العاجل، تضمنت:

“السيد وزير العدل علي درف، نعلم حجم الملفات التي على عاتقك، ولكن اتصالك بالنائب العام للتوصية بخصوص ملفنا لا تكلفك سوى خمس دقائق، تنصر بها الأرامل وأسر الشهداء وأبناء شعبك المظلومين. قضيتنا وملفنا نعاني فيه من الرشاوى والارتزاق على مستوى النيابات، ولن يتحرك سوى بوضع يد الدولة ورقابتها عليه. ننتظر نصرتك، بيننا أمهات ينادين (وااااا معتصماه)”.

اتهام وتماطل

ووصف المنتصر بالله وكلاء النيابة العامة بـ(المتماطلين) في الإجراءات لضياع الملف في أضابير النيابة، وأردف بالقول: تقدمنا بشكوى رسمية للنائب العام الفاتح طيفور بسبب الإهمال في الإجراءات، ولكن لم يحدث شيء، واستبشرنا خيراً بإقالته.

وكشف المنتصر بالله عن فشل وتعثر الإجراءات القانونية بسبب التأثير على النيابة العامة والأجهزة العدلية من قبل إدارة الشركة ودفعها رشاوى لتعطيل ملف القضية حسب إفادته.

وزاد: النيابة غير قادرة على استخراج نشرة دولية تطالب فيها بالقبض على المتهمين عبر الشرطة الدولية (الإنتربول) في مقر إقامتهم بالإمارات وسلطنة عمان.

حجج ساقتها شركة انفست إن للمساهمين حينما دبت المخاوف بشأن أرباح أسهمهم التي طال توقفها بسبب الحرب؛ فتارة تتعلل إدارة الشركة بفقدان رأس المال بسبب الحرب، وتارة أخرى تقول إنها ستعيد ترتيب أوضاعها ومن ثم الاستمرار في العمل أو تصفية الشركة حال رغبة المساهمين.

وسرعان ما اتضحت نوايا الشركة حينما تجاهلت المساهمين وعمدت إلى عدم الرد على استفساراتهم وأسئلتهم بخصوص الأرباح، حسب ما أكده عدد من المساهمين. 

ووفقاً لإفادة أبو ستة، لديهم معلومات تفيد بأن الشركة تدير خارج السودان استثمارات كبيرة وتعمل في العقارات والعملات الرقمية بأموال المساهمين، وبذلك تكون مارست أكبر عمليات الاحتيال على مجموعة كبيرة.

خطوات تصعيدية

وأوضح في حديثه لـ(أفق جديد) أنه تم تكوين جسم بشأن القضية أُطلق عليه مجلس المساهمين، يتولى مناقشة قضايا المساهمين وكيفية إيجاد حلول لقضيتهم. وأفاد أن المجلس تواصل مع إدارة الشركة وعقد معهم عدة اجتماعات (أونلاين) للوصول إلى حل بشأن القضية يرضي جميع الأطراف، واستدرك قائلاً: للأسف باءت محاولات مجلس المساهمين بالفشل، وأنكرت الشركة وجود رأس مال لها وأنه تأثر بالحرب.

أكد المنتصر بالله أنهم بصدد اتخاذ خطوات تصعيدية بعد أن باءت محاولاتهم القانونية بالفشل، تتضمن وقفات احتجاجية أمام مكتب النائب العام لرفع أصواتهم والالتفات لقضيتهم التي قال إنها أصبحت قضية رأي عام، بالإضافة إلى التصعيد عبر المنصات المختلفة.

غموض وتنصل

غموض يكتنف قضية انفست إن من كل الجوانب، رغم مشروعية الشركة بحسب تسجيلها رسمياً وقانونياً لدى المسجل التجاري، وكذلك مستندات العقود التي تؤكد التزامها مع المساهمين. إلا أن اختفاء إدارتها وعدم التواصل مع المساهمين يثير التساؤل، وكذلك عدم تجاوب الأجهزة المعنية بالأمر من مسجل تجاري ووزارة العدل التي تنصلت عن الإفادة فيما يخص قضية انفست إن.

وما يؤكد ذلك ما قاله المسجل التجاري العام محمد إبراهيم محمد أحمد دريج لـ(أفق جديد) بشأن قضية انفست إن، حيث ذكر أنه لم يسمع عن القضية من قبل، وأضاف أن إدارة التسجيلات التجارية تتعامل مع ملف الشركات وفقاً للقانون الذي يسمح للمساهمين أو المحامي الموكل له أمر التسجيل بالاطلاع على ملف الشركات.

وقال: نحن كإدارة للسجلات التجارية لم نتلقَّ أي خطاب من متضرري الشركة، ولم تتم مخاطبة المسجل التجاري بما يسمى بملف انفست إن. 

ووعد دريج بالاطلاع على الملف ومدنا بالإفادة المتعلقة بالقضية، إلا أنه لم يستجب للرد على الاتصال حتى اللحظة. كذلك تم الاتصال بوزارة العدل عبر رئيس المكتب التنفيذي، الذي ذكر أيضاً عدم علمه بالقضية وأنها المرة الأولى التي يسمع بها، ووعد بإلمامه بتفاصيل الشركة ومن ثم يمدنا بالإفادة، ولكن أيضاً لم يستجب.

Exit mobile version