دموع الفاشر التي لم تلتقطها الكاميرات
الزين عثمان
في منطقة “العفاض” يصل وجع أهل الفاشر خيام النزوح قبل وصول أهل المدينة المنكوبة في رحلة “الأهوال” حيث ان الخروج من هناك بمثابة حياة جديدة في زمن حرب الناجي من الذبح فيها صار يعبد “خنجرا”” تجرجر نساء الفاشر أحزانها مع أقدامها وهي تقطع المسافة بين المدينة التي إقتحمها الدعم السريع في الصحراء وصولاً للدبة بينما يجرجر أخرين أقدام الخيبة بسبب الفشل في الحفاظ على المدينة من السقوط
هناك حيث تعيد الحرب رسم المشاهد الحياة البيوت والجغرافيا وتعيد أيضاً رسم مشهد الإنتماء والإرتباط وما يجمع بين السودانيين في خيام نصبها أزهري المبارك المستثمر في إستخراج الذهب ورئيس المقاومة الشعبية بالشمالية من أجل إيواء الفارين من جحيم الموت الفاشري
ولأن الفاشر صمودها بأنهار من الدم في مجابهة الدعم السريع والمتحالفين معه ومن ثم سقوطها في أنهار من الدموع أعاد رسم المشهد السوداني برمته تصدر مشهد إحتضان إمرأة وبكائها على كتف رئيس مجلس السيادة الإنتقالي السوداني، عبد الفتاح البرهان، منصات التواصل الإجتماعي عقب زيارته لمخيم العفاض في مدينة الدبة، الذي يؤوي آلاف النازحين الفارين من مدينة الفاشر، عقب سيطرة قوات الدعم السريع عليها وإندلاع معارك عنيفة في المنطقة
اللقطة سرعان ما تحولت لحبر للكتابة وتدبيج المقالات حول إنسانية وصمود وسودانية رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش وبالطبع دموعه التي بدأت واضحة للعيان في اللحظة المؤثرة الصورة وظفها داعمي الرجل بأنها بمثابة الإقتراب من النصر تماماً بينما في حقيقتها كانت تعبر عن الوصول لقاع الهزيمة عند أخرين . فيما بقي السؤال عن دموع قائد الجيش ومألاتها حاضراً وبشدة في الجدل السوداني
المفارقة أن الغالبية ركزت مع دموع :البرهان” بينما طرح أخرون السؤال لكن ماذا عن دموع السيدة القادمة من الفاشر ماذا عن وجع مدينة كاملة لم يبدأ بالحرب ولم ينتهي بالسقوط ؟
حسناً وقبل أن يهبط قائد الجيش في منطقة العفاض للإطمئنان على أوضاع النازحين القادمين من منطقة الفاشر كان قد قال وفي خطاب “وافقنا على إنسحاب قيادات الجيش والقوات المشتركة من المدينة والوصول لمكان أمن وهو الانسحاب الذي فتح الجحيم على أهالي المدينة من المدنيين حين إستباحتها قوات الدعم السريع في وقت لا زال السؤال معلقاً منذ ما حدث في مدينة ودمدني لماذا ينسحب الجيش ويترك المدنيين تحت رحمة المليشيات ؟ وهو ما جعل البعض يعلق على لقطة البرهان بإعادة طرح السؤال لكن ما جدوى البكاء على اللبن المسكوب ؟ فيما كتبت الناشطة الدكتورة نجلاء نورين المنحدرة من منطقة بارا حيث تجري المذابح وتبحر المدينة في نهر من الدماء والدموع “ القائد لا يأتي ليبكي مع النساء بعد النزوح القائد هو من يقوم بحمايتهن ولا ينسحب مع وجنوده لمنطقة أمنة ويتركهن خلفه للخوف ”
مضي كثيرون في تفسير دوافع نشر الصورة بأنها محاولة من أجل تصدير البرهان في صورة القائد المهموم بمعاناة شعبه ومهدي الخلاص للشعب وهو الذي سبق وأن أكد على قدرته للثأر لأهل الفاشر ولكل السودانيين من قوات الدعم السريع
بدموعها كتبت السيدة مأساة الفاشر كاملة لخصت المعاناة ،الخوف، نقص الأموال والثمرات الجوع لخصت مشهد تتضاءل درجة النجاة لأقصى حد كانت دموعها كافية لرسم حجم المعاناة في الصحراء بين الموت والنجاة لخصت حال مدينة كاملة البيوت المحترقة المستشفيات التي تسقط على رؤوس المرضى، الإعدامات في الشوارع الجثث المكومة دون أن تجد ما يسترها وبالطبع لخصت كل الخيبة في لحظة دون أن تعيش لحظة تدبرها في المستقبل الأسود والجميع من حولها يردد “بل بس”
في “العفاض” يمكنك أن تشاهد صورة دموع أهل الفاشر المعلنة لكن ماذا عن تلك التي تحجرت في المآقى ماذا عن الذين لا يملكون حتى ترف البكاء وإن إمتلكوه لن تصل إليهم كاميرات التلفزة ماذا عن المحاصرون الآن داخل المدينة تطاردهم إتهامات موالاة الجيش الذي تركهم وتحلق فوق رؤوسهم بنادق “أبو لولو”.
يقول أحدهم وهو يصوّر المشهد بكاميرا هاتفه: “إنظروا إلى هذا العمل العظيم… إلى هذه الإبادة ثم يوجّه الكاميرا إلى نفسه ورفاقه الذين يضعون شارات قوات الدعم السريع، مضيفاً بإبتسامة: “سيكون هذا مصيرهم جميعاً كان المقاتلون يحتفلون بما تصفه منظمات الإغاثة بأنه مجزرة راح ضحيتها أكثر من ألفي شخص في مدينة الفاشر شهر أكتوبر لا تزال آلة القتل تعمل في المدينة حتى اليوم وفقاً لتسريبات إعلامية ولصور ملتقطة عبر الأقمار الصناعية في هذه الوقائع من مات فقد نجا بينما على الأحياء مواجهة الموت على راس كل ساعة
وقالت رئيسة بعثة منظمة “أطباء بلا حدود” بالسودان ألين سيرين إن النازحين من مدينة الفاشر يصلون إلى منطقة طويلة في “حالة مأساوية” ويعانون من أوضاع بالغة السوء، مضيفة أن القتال المستمر منذ أكثر من 30 شهراً بين الجيش السوداني و”قوات الدعم السريع” تسبب في موجات نزوح جديدة، مشددة على أن فرق المنظمة لا تستطيع الوصول إلى مدينة الفاشر لتقييم الوضع هناك، محذرة خلال مقابلة مع “الأناضول” من أن آلاف الأشخاص الذين فرّوا من الفاشر، الخاضعة لسيطرة “قوات الدعم السريع”، يعيشون في ظروف “بالغة السوء ردفت سيرين، موضحة أن النازحين “يصلون في حالة مأساوية، وجميع الأطفال الذين إستقبلناهم يعانون من سوء تغذية، وأكثر من 50% منهم في حالة حرجة”. وإستطردت: “عالجنا مئات الجرحى، بعضهم أُصيب في المعارك الأخيرة أو قبلها”، وأفادت بأن أكثر من خمسة آلاف نازح وصلوا إلى طويلة خلال أسبوع واحد فقط، وذكرت أن أعداداً كبيرة من السودانيين ما زالوا محاصرين في الفاشر أو يحاولون الوصول إلى مناطق آمنة وهو ما يضعك أمام مشهد أخر من مشاهد دموع أهل الفاشر .
ينتهي مشهد “العفاض” لتريند جديد مصور ب “الدموع” بطله الخفي وجع الفاشر وحزن الحرب الذي يغطي أرض وسماء بلاد كاملة ونجومه على الشاشات قائد الجيش وسيدة سودانية من الفاشر والسيناريو عبارة عن سؤال البرهان قشاش دموع أم منبع لها ؟





