السودان على مفترق طرق: الحرب المستمرة والمخاطر الإقليمية

بقلم: رضوان بلال

5 نوفمبر 2025م

بين تمدد الحرب وتداخل المصالح الإقليمية، يقف السودان أمام أخطر مرحلة في تاريخه الحديث. لم تعد المعركة صراعاً داخلياً على السلطة فحسب، بل تحولت إلى ميدان لتصفية الحسابات الدولية وإعادة رسم موازين النفوذ في المنطقة.

يقف السودان اليوم على مفترق طرق حاسم، بعد أن تحولت الحرب الدائرة إلى صراع متعدد المستويات، تجاوز المواجهة بين الجيش والدعم السريع ليصبح ساحة لتقاطع المصالح الإقليمية والدولية. رفض السلطة في بورتسودان لمبادرة الهدنة وبرنامج الرباعية لم يكن موقفاً معزولاً، بل انعكاساً لتأثير المخابرات المصرية على القرار السوداني، بضوءٍ أخضر ضمني من واشنطن التي ما زالت ترى في نظام السيسي حليفاً محورياً لحماية مصالحها في الإقليم.

التطورات الميدانية الأخيرة، خاصة إستخدام الطائرات المسيّرة وتبادل التصريحات العدائية بين الدعم السريع ومسؤولين مصريين، تشير إلى إحتمال توسع الحرب لتصبح صراعاً إقليمياً مفتوحاً. دخول مصر المباشر أو غير المباشر سيقود بالضرورة إلى تدخل أطراف أخرى داعمة للدعم السريع، مما يعقّد فرص الحل السياسي ويزيد معاناة المدنيين.

في ظل هذه الصورة، يبرز تساؤل أساسي: هل تتبنى واشنطن خطة مرحلية لإعادة ترتيب ميزان القوة داخل السودان؟ إستمرار الحرب لإضعاف الدعم السريع أولاً، ثم إعادة القوة للجيش، يليها التخلص من التنظيم الإسلامي، قبل تنفيذ برنامج الرباعية لاحقاً؟

ورغم أن هذا السيناريو يبدو منطقياً على الورق، إلا أنه محفوف بالمخاطر، فالجيش منقسم داخلياً، والدعم السريع يمتلك شبكات مصالح إقليمية متينة، بينما التيار الإسلامي متغلغل في مفاصل الدولة والمجتمع، مما يجعل أي محاولة لعزله بالقوة مغامرة محفوفة بالتحديات.

في المقابل، هناك سيناريو آخر أكثر وضوحاً: أن واشنطن حسمت موقفها فعلاً، وفق قناعة ثابتة بضرورة إبعاد الإسلاميين عن المشهد السياسي والإبقاء على الجيش كضامن لوحدة السودان واستقراره. استمرار الحرب قد يكون جزءاً من هذه الرؤية، التي تهدف إلى إنهاك الدعم السريع وإضعاف الإسلاميين، تمهيداً لفرض تسوية جديدة تعيد تشكيل الدولة وفق النموذج الأمريكي الإقليمي المرغوب.

أمام هذا الواقع، المصالحة الشاملة لم تعد خياراً واقعياً، بل أصبحت تناقضاً أخلاقياً وسياسياً. فالمطلوب اليوم هو قطيعة جذرية مع الماضي، تُقصي التنظيم الإسلامي والدعم السريع والجيش السياسي من مستقبل السودان، وتفتح باب المحاسبة والعدالة لكل من تورط في جرائم الحرب أو الفساد.

وإن كنا نعتمد في تحليلنا على ظاهر الأحداث والمنهج التحليلي الموضوعي، فلا نستبعد أن تُدار في دهاليز السياسة ترتيبات مغايرة لما نراه الآن، لكن ذلك لن يغيّر من الحقيقة الجوهرية:

لن ينهض السودان ما دام من دمّروا حاضره يتصدرون مستقبله. فالمعركة الحقيقية ليست بين جيشٍ ودعمٍ سريع، بل بين وطنٍ يُراد له الحياة، وقوىٍ لا تجيد إلا إعادة إنتاج الخراب. 

Exit mobile version