أفق جديد
بين ضجيج الحرب الذي يلف السودان منذ أكثر من عامين، اختارت المغنية وكاتبة الأغاني السودانية آسيا ساتي طريقاً مختلفاً لمساندة بلدها؛ طريقاً يبدأ من منصة تيك توك وينتهي في قلوب مئات الآلاف ممن وجدوا في صوتها نافذةً مشرقة وسط العتمة.
من منزلها في هامبستيد شمالي لندن، تعيد آسيا إحياء الأغاني السودانية التقليدية القديمة، وتمنحها روحاً عصرية تخاطب الأجيال الجديدة. وبفضل هذا الأسلوب، حققت مقاطعها انتشاراً واسعاً، حاصدة ملايين المشاهدات ومقدمة صورة جديدة عن السودان، البلد الذي لم تعش فيه قط، لكنه يسكن في تفاصيل هويتها.
تقول ساتي في حديثها لمجلة كامدن الجديدة إن الموسيقى أصبحت وسيلتها لمواجهة الألم الذي يجلبه خبر كل يوم عن الحرب: “قراءة أخبار السودان أمر صعب جدًا عليّ. أحيانًا أجبر نفسي لأعرف ما يجري. تيك توك يمنحني مساحة كي أتنفس، والجمهور السوداني يقدّر ذلك بشدة.”
ورغم المسافة، لم تنجُ أسرتها من آثار النزاع؛ فبعض أقاربها نزحوا من منازلهم وفقدوا كل شيء. ومع ذلك، تحمل آسيا إصرارًا واضحًا على أن يراها العالم كممثلة لتراث غني، لا كشاهدة على حرب. وتقول آسيا : “السودان ليس بلد حرب فقط. تاريخه عميق وموسيقاه أساس موسيقى البلوز التي أحبها.”
ولا تتوقف مساهمتها عند الفن؛ إذ تعمل إلى جانب مجموعة من أبناء الجالية السودانية ضمن منظمة العمل الإنساني في السودان، وهي مبادرة خيرية تُعنى بإرسال دعم مباشر وسريع للمتضررين من الصراع. وتشدد على أن عملهم “غير حزبي”، وأن الهدف هو الوصول للمحتاجين دون المرور ببيروقراطية طويلة قد تحرم الناس من الاحتياجات الأساسية.
قضت آسيا سنوات متنقلة بين شمال لندن والسويد ومصر، وهو ما انعكس على شخصيتها الفنية المنفتحة، لكنها تحتفظ بصوت سوداني خالص يعيد تقديم الأغاني الشعبية لجمهور قد يسمعها لأول مرة.
وبينما تتواصل المعاناة داخل السودان، تواصل آسيا ساتي مهمتها بطريقتها الخاصة: نشر الجمال في زمن القبح، وإحياء الموسيقى في زمن الحرب، وتذكير العالم بأن السودان أوسع من النزاعات، وأعمق من مشاهد الدمار.