*بقلم: ثَرْوَتْ هِمَّتْ*
إن كتابَ “الفتوحات المكية” لشيخنا الأكبر مُحْيِيْ الدِّين إِبن عَرَبِي هو، بلا شك، واحدٌ من أكثر كتبه انتشاراً.. وواحدٌ من أكثرِ الكُتبِ التي وَرَّثَنَا إيَّاها أسلافُنا الصالحون تأملاً وإبداعا. وهذا رأيٌ لا تختلفُ عليهِ بصيرتان فاحصتان متقدتان. لكن! هنالك، برأيي، كتابٌ آخرٌ يفوقُ “الفتوحات المكية” نوراً كما يفوقُ شعاعُ البرقِ صوتَ رَعْدِهِ في السرعة ويتخطى الكتابَ المَعْنِيَّ في الحكمةِ كما يتخطى الظِّلُّ انعكاسهُ في النظرِ، ألا وهو كتاب: *”فُصُـوصُ الحِكَـم وَخصُوصِ الكَـلِمْ”*.
فُصُوصُ حِكَمِ مولايَ الأعظم إبن عربي هي واحدةٌ من أعظمِ كُتبِ التصوف والتأمل التي مرت علينا نحنُ ناطقوا لغة الضَّاد، لكنه وللأسفِ لم يجد حظهُ الوافرَ من الانتشارِ والملاحظةِ والقراءةْ. ولا تخطرُ على بالي هنا أعينَ الناقدين الغاشية وروح الأكاديميين الجافة التي ما لبثت تخلطُ حابل تأويلاتِ مُلَّاكها بنابِلِ رجرجةِ الفكرِ ودهماءِ الموعظةِ الذين شحذوا أقلامَهم ضد الكتاب المعني، بخلافِ الأستاذ الفذِ بروفيسور أبو العِلا عفيفي، بل أناظرُ بكلامي روحَ القارئِ الباحثِ عن معانٍ خَفِيةٍ وأبعادٍ قصِيةٍ لتلكَ الرحلةِ الشِّبْرِيَّةِ والشاقةِ المسماة “حياة” والتي دُفِعْنَا لخوضِها دفعاً دونَ مأذنةٍ أو دعوة.
جارَ على تداولِ الكتابِ المعني وانتشارِهِ عدةُ عوامل: بدايةً بالكيفيةِ التي اختارَ بها شيخنا الأعظم مُحيي الدين إبن عربي تقديم “فُصُوصُ الحِكَمِ” لنا، أشيرُ هُنا إلى قِصة زيارة النبي محمد (ص) له في الحلم وبيده الكتاب المعني و ادعائهِ، أي إبن عربي، أن الكتابَ أُعطيَ إليه جاهزاً مجهزاً مكتوباً معداً لينشره بين الناسِ، مروراً بسوءِ تفكيك العِبارةِ والتأويلاتِ القاصرةِ، في أحسنِ حال، إضافةً إلى الأخرى الخاطئة من قِبل جهابِذةِ الشريعةِ الإسلامية وعلى رأسهم تَقِيُّ الدين أبو العباس النميري الحراني المعروف بابن تيمية وغيره.
وبالعودةِ إلى كمالِ إنتاجِ شيخيَ الأكبر مُحْيِيْ الدِّين إِبن عَرَبِي، إذا أُعطيتُ حريةِ الصَّرْفَةِ والتصنيفِ في تراتبياتِ إرثهِ من حيثُ أهميتها وعمقِها على هيئةِ مُخَاطَبِهَا، هيئة البشري، فنعم سوفَ أختارُ وضع كتابِ “الفتوحات المكيةِ” في موضعِ الرأسِ وسأضعُ بقيةَ كتبِ إبن عربي على هيئةِ الجسدِ وأعضائه. لكني وبلا أدنى شرودِ فكرٍ سأضع كتاب “فُصُـوصُ الحِكَـم” كتاجٍ أعلى ذلك الرأسِ، أي أعلى كتاب “الفتوحات المكية”.