عزلة الحزب الشيوعي وموقفه من التحالفات المدنية

 

يُعد الموقف الرافض أو المتحفظ بشدة للحزب الشيوعي السوداني تجاه التحالفات المدنية الجامعة التي تسعى لوقف الحرب واستعادة الحكم المدني وانهاء اسباب الحروب جذريا، وعلى رأسها التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة (صمود) بقيادة الدكتور عبد الله حمدوك، نقطة خلاف رئيسية تُثير تساؤلات نقدية حول استراتيجيته وتأثيرها على المشهد الوطني.

يكمن جوهر النقد الموجه للحزب الشيوعي في إعطاء الأولوية للرؤية الأيديولوجية والتكتيك الثوري الخاص به على حساب المصلحة الوطنية العليا في هذه اللحظة الوجودية يصر الحزب الشيوعي على أن الحل يكمن في مسار “استرداد الثورة” وفق شروطه الخاصة، ويرفض الانضمام إلى تحالفات يعتبرها تساومية أو تكرس لشرعية متنازع عليها. هذا التمسك الحاد يراه الكثيرون عرقلة متعمدة للجهود الرامية لتوحيد الجبهة المدنية في مواجهة الحرب والخطر العسكري المشترك.

يوجه الحزب انتقادات مباشرة لتحالف “صمود”، حيث يعتبره امتدادًا لفشل الفترة الانتقالية السابقة، أو أنه يرى في هيكله وشروط انضمامه تهديدًا لمبادئه. هذا الموقف النقدي الحاد يمكن ترجمته إلى رفض التعاون العملي رغم التشارك في الهدف الأسمى وهو إنهاء الحرب، مما خلق شرخاً عميقاً أضعف الصف المدني في وقت يتطلب فيه الواقع أقصى درجات الاصطفاف.

إن استراتيجية “العزلة المشروطة” التي يتبعها الحزب الشيوعي لها (في تقديري) تداعيات خطيرة على مستقبل الحزب الشيوعي السياسي ودوره الوطني فهو بهذا التعنت يساهم في تفتيت القوى المدنية ويخدم بشكل غير مباشر أجندة دولة الحركة الاسلامية العميقة في استمرار الصراع حيث يُضعف صوت المدنيين الموحد في الساحة الدولية والإقليمية. ففي زمن الحرب، تُعد الوحدة المدنية هي رأس مال المقاومة المدنية والانسحاب منها يُعد تخليًا عن واجب الاصطفاف الوطني.

والحزب الشيوعي في هذا المنعطف الخطير الذي تمر به البلاد يختار العزلة السياسية في الوقت الذي تتطلع فيه الجماهير إلى أي جهد يوحد القوى لوقف القتال. إن فشل الحزب في التكيف مع متطلبات السلم والوحدة في زمن الحرب وتمسكه بخلافه الأيديولوجي مع الاخرين دون إنقاذ الأرواح يهدد بفقدانه لآخر ما تبقى له من شرعية تمثيلية في نظر الشعب.

هذا الانفصال وعدم السعي للإجماع المدني لا يعيق وصوله إلى السلطة عبر التنافس الديمقراطي فحسب (كما كان الحال تاريخياً)، بل قد يجعله قوة هامشية بالكامل في المشهد السياسي الذي سيتخلق بعد انتهاء الحرب. فالقوى التي لا تستجيب للغايات الوطنية القصوى (إنهاء الحرب وتوحيد الصف)، من المستبعد أن تجد لها مكاناً في المشهد الديمقراطي الجديد.

الحزب الشيوعي السوداني يُظهر ثباتاً أيديولوجياً في رفضه للمسارات التي لا تتفق مع رؤيته الثورية، ولهذا الثبات جانب إيجابي يتمثل في الحفاظ على المبادئ.

ولكن، في ظل الكارثة الوطنية الحالية، تحول هذا الثبات إلى جمود وبذلك يرتكب الحزب الشيوعي خطأً تاريخياً في عدم إدراك خطورة اللحظة وضرورة تقديم التنازل السياسي التكتيكي للانضمام إلى جبهة موحدة. فالمحاسبة على أخطاء الماضي والحلول الجذرية يجب أن تأتي بعد إنقاذ الدولة والمجتمع من الانهيار، وليس قبله. استمرار هذا الموقف يزيد من عزلة الحزب ويضعف دوره كقوة مؤثرة في تحديد مصير السودان..

احمد عثمان محمد المبارك المحامي

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى