من الفاشر إلى طويلة .. جثث على الطرقات وإجهاض للحوامل

 

أفق جديد

تتواصل المُعاناة الإنسانية في معسكر “طويلة” للنازحين وسط تحديات متزايدة نتيجة لعمليات الهروب الجماعي من العنف لمسافات بعيدة من مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، ما أدى إلى وفيات على جانبي الطريق جراء الجوع والعطش وحالات إجهاض للنساء الحوامل.

ويعيش النازحون بين الخوف والتدهور الأمني والجوع والمرض وانعدام الخدمات الأساسية، الأمر الذي يتطلب فتح ممرات إنسانية آمنة لوصول الغذاء والدواء والدعم النفسي.

وتتفاقم المعاناة الإنسانية بالسودان جراء استمرار حرب دامية بين الجيش و”الدعم السريع” منذ أبريل 2023، أدت إلى مقتل عشرات الآلاف وتشريد نحو 13 مليون شخص.

وأبلغ شهود عيان “أفق جديد”، تناثر الجثث على طول الطريق ما بين مدينة الفاشر ومنطقة “طويلة” جراء الجوع والعطش وتفشي الأمراض في صفوف النازحين.

وطبقاً للشهود فإن معسكر “طويلة” يكاد يفتقر إلى الخدمات الضرورية، والوضع يتطلب تدخلًا عاجلًا يعيد للنازحين الأمان والحق في الحياة.

“رغم وجود بعض المنظمات الإنسانية، إلا أن الدعم محدود ولا يغطي سوى نسبة ضئيلة من احتياجات النازحين”. يقول أحد قادة المجتمع المحلي لـ”أفق جديد”، ويضيف: “الإغاثة تصل بصورة متقطعة، وفي أغلب الأحيان غير كافية والناس يموتون من الجوع والمرض”.

وأضاف بالقول: “نداءات النازحين لم تجد أذناً صاغية واستجابة حقيقية من المنظمات الإنسانية رغم تكرار المناشدات”.

وحسب نشطاء في مخيم “طويلة”، فإن “فرص العمل معدومة، وأن خروج النساء لجمع الحطب أو العمل في المزارع يعرضهن لخطر العنف والاغتصاب”.

وأوضحت المصادر أن “الاعتداءات المتكررة خلقت حالة من الخوف والهلع، خاصة في أوساط النساء والأطفال، في ظل غياب الحماية”.

ووفق النشطاء، “يشكو السكان داخل المعسكر من انقطاع المياه التي لا تصل سوى يوم أو يومين في الأسبوع، وأحياناً تنقطع لأيام متتالية، الأمر الذي أجبرهم على الاعتماد على مصادر غير مضمونة صحياً”.

إجهاض الحوامل

وأعلنت شبكة أطباء السودان (غير حكومية)، توثيق فرقها العاملة وصول أكثر من 100 امرأة حامل إلى معسكر طويلة والمعسكرات المحيطة بها، ووصول إلى 143 امرأة حامل إلى معسكر “الدبة” في الولاية الشمالية.

وكشفت شبكة الأطباء في بيان تلقته “أفق جديد”، تسجيل حالة ولادة واحدة داخل معسكر “الدبة” حتى الآن، إضافة إلى تسجيل حالات ولادة داخل معسكر “طويلة”، ووقوع حالات إجهاض أثناء النزوح من الفاشر بسبب الظروف القاسية، بينما تتواصل عمليات الرصد بالتزامن مع استمرار حركة النزوح.

وأكدت شبكة الأطباء أن عدداً من المنظمات الصحية العاملة في الميدان تقدم رعاية طبية طارئة للنساء الحوامل، وسط تحديات متزايدة للمجهضات نتيجة لعمليات النزوح لمسافات طويلة ونقص الموارد.

وطالبت الشبكة المنظمات الدولية والإنسانية إلى ضرورة توفير دعم عاجل وتعزيز الخدمات الصحية والطبية في تلك المناطق، كما تدعو الجهات المسؤولة إلى ضمان حماية الأمهات وتوفير بيئة آمنة للولادة، والحد من المخاطر الصحية التي تهدد النساء والفتيات النازحات في ظل الظروف الحالية.

مصير مجهول

وقالت المتحدثة الرسمية باسم شبكة أطباء السودان، د. تسنيم الأمين لـ”أفق جديد”، إن “النزوح ما زال مستمراً وبعض الأسر خرجت من مدينة الفاشر بعد دفع فدية، وعدد من المنظمات تدخلت عقب زيارة ممثلي الأمم الأخيرة”.

وأوضحت أن “المشكلة الأساسية تكمن في مواقع الإيواء ومصير الأسر في توفير مصدر الدخل، ولا زالت الآلاف من النساء بلا مصدر دخل ولا يوجد بمعيتهم من يكفلونهم نتيجة لفقدان أغلب النساء ذويهم أو أزواجهم”.

وأضافت تسنيم بالقول: “تعاني النساء الحوامل والمرضعات من أوضاع كارثية تساهم التدخلات في تقليل آثار النزوح لكن الحاجة متزايدة ولا خيارات، وبعض الأسر لا تعرف إلى أين تمضي أو ما هو مصيرها بعد فقدان أغلب أسرتها في الفاشر أو أثناء النزوح”.

وتابعت: “حقيقة الوضع في المعسكرات للنساء كارثي ويحتاج مزيداً من التدخلات خاصة مع بداية فصل الشتاء”.

ممرات إنسانية آمنة

 وفي 17 نوفمبر الجاري، قال توم فليتشر وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية إنه تلقى “موافقة قوية” من السلطات الحكومية السودانية وقوات الدعم السريع في سياق اجتماعاته مع الطرفين بشأن الوصول الكامل والممر الآمن للقوافل الإنسانية والمدنيين في البلاد. وأضاف: “دعونا نرى ما إذا كانوا سيوفون بالالتزامات التي قطعوها لي”.

جاء ذلك خلال حديثه مع صحفيين في نيويورك عبر الفيديو من معبر أدري على الحدود مع تشاد، في سياق زيارته للسودان، والتي قال إنها تركز بشكل رئيسي على دارفور “مركز المعاناة الإنسانية في العالم”.

وأشار فليتشر إلى أنه التقى في بورتسودان رئيس المجلس السيادي في السودان عبد الفتاح البرهان، إلى جانب وزيري خارجية مصر والسودان، وأن المناقشات ركزت على “الوصول [الإنساني] غير المحدود وبدون عوائق”، بالإضافة إلى توفير الأمن للقوافل الإنسانية والعاملين فيها.

وأشار إلى أنه أجرى في منطقة كورما بدارفور “مناقشات صعبة” مع ممثلي قوات الدعم السريع، أكد فيها “بشكل قاطع” أن الأمم المتحدة تتوقع حماية المدنيين، وتصر على توفير ممر آمن لخروجهم ودخول قوافل المساعدات.

وقال وكيل الأمين العام إنه من الواضح أن هناك حاجة إلى “مزيد من الوجود الأممي على الأرض” لتلبية الاحتياجات الهائلة، وتوفير شعور بالأمان للمدنيين. وأضاف أن زيارته تأتي في إطار جهود أوسع نطاقاً يبذلها كبار قادة الأمم المتحدة لضمان حشد جهود المنظمة بالقرب من الفئات التي تخدمها.

جرائم مرعبة

وقال فليتشر إن دارفور “مسرح مرعب للغاية”، وإن شهادات الناجين تؤكد أنها “مسرح جريمة”. وأضاف أن الأزمة في دارفور تلحق الضرر بالأطفال أكثر من غيرهم، حيث إنهم يمثلون واحدا من كل خمسة أشخاص قُتلوا في الفاشر.

وقال: “إلتقيت بالعديد من الأطفال الذين حملوا إخوتهم الصغار إلى بر الأمان، وغرباء إلتقطوا رضعاً من الطرق بعد مقتل آبائهم وأمهاتهم”.

وروى فليتشر قصة امرأة التقى بها في عيادة تدعمها الأمم المتحدة، رأت زوجها وجيرانها يُقتلون أمام عينيها في الفاشر، فهربت إلى طويلة مع طفل جيرانها، الذي يعاني من سوء التغذية.

“في الطريق، وهي تحمل الطفل، كسرت ساقها على يد رجال على إحدى نقاط التفتيش، وأعتقد أنكم تستطيعون استكمال بقية القصة. إنها قصة مرعبة. هناك قصص لا تحصى كهذه في سيق وباء العنف الجنسي. يبلغ شركاؤنا في مجال الرعاية الصحية عن وصول ما يصل إلى 250 شخصاً يومياً مصابين بطلقات نارية وجروح ناجمة عن التعذيب”.

نتائج الزيارة

من بين النتائج الأخرى لزيارته، قال السيد فليتشر إنه تم إحراز تقدم في إدخال فرق الأمم المتحدة إلى الفاشر وفقا لشروط المنظمة، مضيفاً أن الأمم المتحدة “لن تُستغل” وستضمن “دخول الأشخاص المناسبين وأن تكون المساعدات محايدة وغير منحازة حقا عند دخولها”. وأعرب عن أمله في أن يتحقق ذلك في الأيام أو الأسابيع المقبلة.

وأضاف أنه تواصل أيضا مع مجموعة الرباعية – التي تضم الولايات المتحدة ومصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة – بشأن الحاجة إلى “دفعة دبلوماسية واسعة النطاق”.

وقال إن هناك فرصة سانحة الآن “إذا كان المجتمع الدولي مستعداً لاغتنامها”، مشددًا على ضرورة أن يكون مجلس الأمن والدول الأعضاء “أكثر وضوحاً بشأن حماية المدنيين، ووصول المساعدات الإنسانية، والحد من تدفقات الأسلحة، وضمان المساءلة.

ورداً على أسئلة الصحفيين، قال وكيل الأمين العام إن آخر ما يحتاجه السودان الآن “هو المزيد من البنادق والرصاص”، مضيفاً أن البلاد بحاجة إلى المساعدة والحماية للناجين. وقال: “يجب محاسبة من يطلقون الأسلحة، ومن يصدرون الأوامر. وعلى من يزودون الأسلحة أن يراجعوا أنفسهم في المرآة، وأن يتصرفوا بمسؤولية”.

Exit mobile version