
أفق جديد
حرب السودان تمضي من سيئ إلى أسوأ في ظل اتساع رقعة المواجهات العسكرية، ونقص الغذاء والدواء ما أدى إلى تسجيل وفيات يومية للأطفال الذين يفتقرون إلى الرعاية الصحية اللازمة في مناطق النزاعات على خلفية الحصار وتعطل سلاسل الإمدادات الأساسية.
وقد تسبب أكثر من عامين ونصف من القتال الدائر بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” في أسوأ أزمات الإنسانية والحماية في العالم، وكان الأطفال محورها.
وتؤكد المعلومات الموثقة إرتفاعاً في معدل وفيات الأطفال يُعزى إلى الجوع وعدم كفاية الوصول إلى الخدمات الأساسية. ويتعرض الأطفال الفارون من العنف عبر طرق غير آمنة لمزيد من المخاطر الجسيمة، بما في ذلك العنف الجنسي و الإختطاف والتجنيد والاستخدام والاحتجاز والمضايقة والنهب.
ملايين الأطفال في السودان يواجهون الآن المجاعة وانعدام الأمن الغذائي الحاد، والنزوح، وانعدام فرص الحصول على التعليم، والتعرض للعنف على نطاق واسع. وقد تأكد – وفقًا للأمم المتحدة- حدوث المجاعة في الفاشر وكادقلي، وهناك 20 منطقة أخرى معرضة لخطر المجاعة بشكل كبير.
وأبلغ شهود عيان “أفق جديد”، أن السكان في مدينتي كادقلي والدلنج يتناولون ثمار اللالوب والنبق وأوراق الأشجار لسد فجوة الجوع، في ظل استمرار الحصار الشديد المفروض على المنطقة.
وحسب الشهود، فإن الأسواق تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة من الذرة والدقيق والزيت والملح والبصل، والأوضاع متردية للغاية، وكبار السن والأطفال يموتون بسبب سوء التغذية الحاد.
ويقول اسحق عبد الله لـ”أفق جديد”: “أسرتي محاصرة في مدينة الدلنج تعاني الجوع ولا استطيع فعل شيء. الأطفال يموتون بشكل يومي وندعو المنظمات الإنسانية للتدخل الفوري لإنقاذ البسطاء هناك”.
وأضاف: “أقيم حاليًا في الخرطوم، ولا استطيع إرسال الأموال اللازمة لمساعدة أهلي هناك. الأهالي يحتاجون إلى الأمان والحماية والغذاء والرعاية الطبية”.
مؤخراً؛ أعلنت الأمم المتحدة، أن نحو 40 ألف شخص شُرّدوا في مختلف أنحاء ولاية شمال كردفان، منذ 26 أكتوبر الماضي، بسبب أعمال العنف.
وتشهد ولايات إقليم كردفان الثلاث (شمال وغرب وجنوب)، منذ أيام، اشتباكات ضارية بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” أدت إلى نزوح عشرات الآلاف في الآونة الأخيرة.
وكانت كادوقلي والدلنج تحصل على قليل من السلع الغذائية عبر طرق برية وعرة من محليات ولاية جنوب كردفان الشرقية، المربوطة بطرق برية مع مدينة أم روابة وولاية النيل الأبيض، لكن جميع هذه الطرق أُغلقت بشكل كامل بسبب مياه الأمطار، مما أدى إلى انقطاع الإمداد عبرها، وفاقم الأزمة المعيشية.
وذكرت شبكة أطباء السودان (غير حكومية)، أن “فرقها الميدانية وثقت وفاة 23 طفلًا في الفترة من 20 أكتوبر حتى 20 نوفمبر في مدينتي الدلنج وكادوقلي بولاية جنوب كردفان نتيجة سوء التغذية الحاد ونقص الإمدادات الأساسية، على خلفية الحصار المفروض الذي يمنع دخول الغذاء والدواء ويعرّض حياة آلاف المدنيين للخطر”.
وأكدت الشبكة في بيان تلقته “أفق جديد”، أن “الوفيات تمثل جرس إنذار خطير ينبه إلى حجم المأساة الإنسانية المتفاقمة في الولاية”.
وأدانت الشبكة بشدة استمرار الحصار الذي أدى إلى انهيار الخدمات الصحية وتعطيل وصول المساعدات، واعتبرته انتهاكًا واضحاً للقانون الدولي الإنساني وحقوق الأطفال في البقاء والحماية. ودعت الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الإقليمية والدولية إلى التحرك العاجل لفتح ممرات آمنة وتوفير الإغاثة العاجلة دون تأخير.
وأوضحت شبكة الأطباء أن “استمرار الوضع على ما هو عليه يهدد بوقوع كارثة صحية واسعة النطاق إذا لم تُتخذ إجراءات فورية لرفع الحصار وضمان تدفق الغذاء والدواء، حتى لا تتحول هذه المأساة إلى واقع متكرر في مناطق أخرى من السودان”.
وفي 20 نوفمبر الجاري، دعت مسؤولة أممية رفيعة كافة أطراف النزاع في السودان إلى اتخاذ إجراءات منقذة للحياة لحماية الأطفال، مؤكدة أن استمرار الانتهاكات والقتال يعرّض مستقبل جيل كامل للخطر، وأن وقف الأعمال العدائية بات ضرورة عاجلة.
وفي بيان تزامن مع اليوم العالمي للطفل، أدانت الممثلة الخاصة للأمين العام المعنية بالأطفال والنزاعات المسلحة، فانيسا فريزر، الانتهاكات واسعة النطاق والممنهجة لحقوق الأطفال التي تلت “الاستيلاء الوحشي” على مدينة الفاشر في 26 أكتوبر بعد “حصار لا إنساني” دام أكثر من 500 يوم، وما تلاه من تقارير عن فظائع ارتكبتها قوات الدعم السريع، وما رافق ذلك من مخاطر مماثلة واجهها الأطفال وعائلاتهم في غرب كردفان.
وحثت الممثلة الخاصة كافة أطراف النزاع على الكف فورا عن استهداف الأطفال المتعمد، بما في ذلك من خلال العنف الجنسي والاختطاف والاحتجاز والهجمات على المدارس والمستشفيات والتهجير القسري الجماعي، مما يحرمهم من السلامة والأمن. وأشارت إلى أن قتل الأطفال وتشويههم كان من بين أكثر الانتهاكات التي تم توثيقها خلال الأشهر الأخيرة، تلاها الاغتصاب والعنف الجنسي والاختطاف.
وقالت الممثلة الخاصة: “الأطفال السودانيين محاصرون في واحدة من أخطر البيئات في العالم اليوم. إنهم بحاجة إلى الأمان والحماية والغذاء والرعاية الطبية الآن. أدعو قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية إلى التوقف فوراً عن استهداف المدنيين، بمن فيهم الأطفال، في هذه الحرب الوحشية، واحترام التزاماتهما بموجب القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية بشكل آمن وسريع ودون عوائق إلى المحتاجين، بمن فيهم 15 مليون طفل يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية”.
وتشير المعلومات الواردة من الميدان إلى أن المستشفيات والمدارس والبنية التحتية المدنية الحيوية لا تزال تتأثر، مما يجعل الأطفال أكثر عرضة للخطر. هناك 16.5 مليون طفل خارج المدرسة في جميع أنحاء البلاد.
ورحبت الممثلة الخاصة ببدء المناقشات مع القوات المسلحة السودانية والخطوات الرامية لإعداد خطة عمل لإنهاء ومنع الانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال.
وجددت دعوة الأمين العام للأمم المتحدة لجميع الأطراف إلى وقف فوري للأعمال العدائية. وشددت على أنه “من المُلح العمل على إنهاء ومنع الانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال. ينبغي على جميع أطراف النزاع المدرجة في القائمة (المتعلقة بمرتكبي الانتهاكات ضد الأطفال) والتعاون مع الأمم المتحدة لاتخاذ تدابير حاسمة ومنقذة للحياة لحماية الأطفال، بما في ذلك من خلال وضع خطط عمل”.
وأضافت: “يستحق الأطفال في السودان فرصة النمو والتعلم والازدهار في سلام. وبدون اتخاذ إجراءات فورية، فإن حياة ومستقبل جيل كامل معرض لخطر جسيم”.
وتتصاعد دعوات أممية ودولية لإنهاء الحرب في السودان، بما يجنب البلاد كارثة إنسانية بدأت تدفع الملايين إلى المجاعة والموت جراء نقص الغذاء بسبب القتال.