
زهير عثمان حمد
لم يعد المشهد السوداني يقتصر على صراع عسكري بين جيش ومليشيا، بل تحول إلى إعادة تشكيل عميقة لبنية السلطة ذاتها فبعد أربع سنوات من إسقاط نظام المؤتمر الوطني في أبريل 2019، وفي خضم الحرب الحالية، تشير الدلائل إلى أن تفكيك الحزب رسمياً لم يُلغِ نفوذ شبكاته، وأن قرار الإقصاء الدولي يخدم إستراتيجية «تمكين» خفية تُعيد دمج الإسلاميين داخل مفاصل الدولة
تحالف الضرورة البرهان وقيادة التنظيم المحلول
التحليل السياسي يركز اليوم على تحالف غير معلن ولكنه عملي بين قيادة القوات المسلحة (المتمثلة في الفريق عبد الفتاح البرهان) وقيادات النظام السابق، وعلى رأسهم علي كرتي. هذا التحالف لا يحتاج لاسم أو برنامج؛ فالدولة نفسها، بعد تجريدها من أي قيادة مدنية فاعلة، أصبحت تقوم بوظائف الحزب المحلول رسمياً منذ 2019
إن جوهر التحول يكمن في استراتيجية تقوم على «خديعة الخارج وتمكين الداخل»
الخطاب الخارجي: يُقدّم البرهان نفسه للمجتمع الدولي كضامن لعدم عودة الإسلاميين
الواقع الداخلي: يُعيد البرهان تمكين ذات الشبكات عبر خطوات ثابتة، منها–
إعادة تعيين كوادر سابقة في مواقع حكومية وأمنية حساسة
تنشيط شبكات الإقتصاد الموازي المرتبطة بالنظام القديم
استخدام البنية القبلية في الولايات كقنوات تعبئة عسكرية وسياسية
التنسيق اليومي، وإن جرى إنكاره، مع شخصيات مثل علي كرتي الذي يدير الحركة الإسلامية عملياً
الانكشاف تفكك مركز القرار وكشف النفوذ
التصريح الأخير الذي أدلى به الحاج آدم لقناة الجزيرة كان بمثابة إعلان عملي عن تفكك مركز القرار داخل المعسكر الحكومي. عندما قال آدم صراحة: “لسنا معنيين بقرار البرهان وقف الحرب، ولا نقبل بأي مواقف أحادية”، لم يكن هذا مجرد رد سياسي؛ بل كان كشفاً لحجم النفوذ الذي اكتسبه التنظيم المحلول داخل مسار الحرب نفسه
لقد خرج التنظيم الذي عمل تحت الأرض لسنوات ليعبر عن نفسه بوضوح، مؤكداً أن قراره يتقدم على القرار الرسمي لقيادة الدولة. وهذا يكشف أن العلاقة بين البرهان وقيادات الحركة الإسلامية ليست تحالفاً فرضته الحرب، بل تستند إلى علاقة تنظيمية سابقة وممتدة، وهو ما أكده أمين حسن عمر في وقت سابق بأن البرهان كان يرأس المؤتمر الوطني في محلية نيرتتي
الدولة.. الحزب الجديد بلا لافتة
مع اتساع رقعة الفراغ السياسي، وتشتت القوى المدنية، أصبح الطريق ممهداً أمام تحالف السلطة والسلاح والشبكة القديمة ليحل محل الحزب المحلول
2019 – 2021 عودة تدريجية عبر صمت المؤسسات
2021 (الانقلاب) تسارع وتيرة العودة
2023 – 2024 (الحرب): فرصة ذهبية لعودة الكوادر بلا ضجيج تحت مبرر “الحفاظ على الدولة”
لم يعد المؤتمر الوطني بحاجة لـ«لافتة»، فمؤسسات الدولة أصبحت هي الحزب الجديد فعلياً. إنها عودة للتمكين لكن بوجه أكثر براغماتية وأقل أيديولوجية، يرتكز على الشبكات بدلاً من الأفكار، ويسعى لفرض شرعية بديلة عبر السيطرة على الدولة من الداخل، بدلاً من صناديق الانتخابات أو الاعتراف الدولي.
تحدي الشرعية السياسية
الصراع في السودان تحول إلى مواجهة بين مشروعين للسلطة
مشروع الشرعية السياسية الذي يعتمد على التعددية والقوى المدنية المنهكة.
مشروع الدولة الحزب الذي يعيد هندسة الدولة لتصبح بنية حزبية مغلقة، تُحول القوى المدنية إلى مجرد أصوات خارج سياق صناعة القرار.
تكمن المفارقة في أن التنظيم المحظور دولياً يعيد إنتاج نفسه محلياً بعمق وبلا مقاومة تُذكر. والسؤال الأبرز هو: هل يستطيع السودانيون بناء شرعية سياسية جديدة في ظل دولة تُعاد هندستها لتصبح حزباً غير معلن؟ أم أن هذا المسار يقود السودان نحو نسخة أكثر انغلاقاً من النظام الذي أسقطته الثورة؟