(نصوص) حَيْلُ الموت

(لاحول لقصيدتي ولا قوة لي)

خالد عمر

غاياتُهم في الحربِ ليست أن نموتَ

كنّا نموتُ في السِّلْمِيّةِ القُصوى

زرافاتٍ كلَّ يومٍ وفُرادى

ونستحيلُ شهادةً طوعًا لنبقى

قوّةً في الموتِ قاهرةً

وجَهْرَ محبّةٍ وتفانينَ إرادةٍ

نموتُ بالخازوقِ وبالرّصاصِ الحيِّ، بالمطّاط

وبالماءِ الملوَّنِ بالخُبثِ اليهوديّ، نموتُ

بشيئة عبدِ حِزبٍ مُفسِدٍ مُخزٍ، تُخاطبه البذاءةُ: (سيّدي)

وإنْ ذُكِرَت صفاتُ العبدِ، نَفَرَتْ من خساسَتِه العبادةُ

 

كنّا نموتُ أعلى من تَوَقّعِ بطشِهِم لمماتِنا

وننقَضُّ في نُبلِ الفوارسِ والكِرام

على سائِيَّةِ التاريخِ في أكُفِّ الموتِ زهوًا

وننقَضُّ على الموتِ بالرُّوحِ انقِضاضًا

 

وتلك تجربةٌ لم تُطمئنْ جوعَهم

لم تُواعِدْ رَوْعَهم بإعادةِ التابوتِ والسِّرِّ الذي

سيُحيلُ مجرى النيلِ

لأن يكونَ مصبُّهُ راحاتِ وَهْمِ أكُفِّهم

 

غاياتُهم في الحربِ أن نحيا لهم

 

حياةً ليس يرجو مَيِّتٌ في التِّيهِ أن يحيها

أو يُقابِلَ بؤسَها اليوميَّ

بالوحشةِ الخلويةِ العدميةِ السُّفلى

في مماتٍ لا يجدُ في مَعرَضِ الدنيا عزاءً يُقابلهُ

أو يُعَوِّضُ فقدَهُ أو يُكافِئُهُ حِدادًا

 

ألّا نجدَ أبدًا في مَحفَلِ السِّلمِيّةِ الكبرى

ظِلالَ ملامحٍ لما نرجوهُ بالموتِ أو نحيا نحاوِلُهُ

كوعدِ الصِّدقِ يرفِدُ في ادّعاءِ المُخلِصين لما يدّعونَه:

صوتُ الضميرِ لصورةِ الإنسانِ، مُنفتحًا على نُبلِ السيادةِ

أو أيِّ أُغنيةٍ لحُزنٍ أوليٍّ عامرٍ بنقائهِ

أو قفزةً بالحقِّ في جُنحِ الدُّجى، يُظهِرُ لمعُها الخرطومُ

من همسةِ القفزِ: (آهِ يا بلااادي)

وتجهرُنا الخرطومُ لمعًا باذخًا

فنجهَرُ موتَنا بالجبهةِ المدنيّةِ الكبرى

بريقًا يكشِفُ الدنيا في تفرُّقِها ويُسعِفُها اتِّحادًا

 

غاياتُهم ألّا نجدَ أثرًا — من دونِ هذا الموت —

لخطوةٍ قادمةٍ في الرّيح: عزًّا مستحقًّا

ألمًا بسيطًا طيبًا كالشِّعر

نَفْحًا عاطفيًا كأجرِ محاولةٍ

أو تلقى الخُطى في أفقِ وجهتها توافيقًا أو سدادًا

 

غاياتُهم أن تهوي بنا الريحُ مَهْوَى الخائفين

فنَهوِي على آثارِنا في غمرةِ الخوفِ هدمًا وطعنًا

حتى لينفدَ من ملامحِنا الحضورُ وآمالُ الهوى والحبُّ

ينفدُ الإيمانُ زادًا ثم زادًا

 

غاياتُهم أن ننكفئَ حِزَمًا على أحلامِنا

ونُبحِرَ في الهَمَجيةِ الدُّونيةِ الشَّعواء

في فوضى سيادتِهم، لابسينَ القهرَ زيًّا فاضحًا

على أكمامِه العَطَلُ وياقته القِلادةُ

 

فانظرْ لما فعلَتْ بذاكرتي نفاياتُ الكلامِ

والتهاباتُ الصدى

والصُّورُ المُشعَّةُ بالذي يفتكُ بالقرائحِ،

يُطفئُ عزمَها ويُسرطِنُ الحيويّةَ الحُبلى

بآياتِ الحضورِ الآدميّ في مِخيالِنا

 

انظرْ للرجاءِ الرخو إذ يعلو دخانًا لانحِطامِ الوقتِ

في حجرِ الرؤى

وفي خَطَلِ التصاويرِ المُعادةِ

 

غاياتُهم في الحربِ ليست أن نموتَ

غاياتُهم ألّا نستطيعَ الموتَ موفوري الكرامةِ

واثقينَ من أسمائنا

من حِنِّ مرحمةِ المقابرِ نحونا

ودمعةٍ والهةٍ ستتبعُ روحَنا

فَيَّاضَةٍ كالعادة.

 

 

Exit mobile version