زيارة البرهان إلى الرياض.. دلالات التوقيت وحدود الممكن السياسي

إبراهيم هباني 

جاءت زيارة الفريق أول عبد الفتاح البرهان إلى الرياض في توقيت إقليمي ودولي دقيق، تتكثف فيه الجهود الرامية إلى وقف الحرب في السودان والانتقال إلى مسار سياسي يعيد الإعتبار لمؤسسات الدولة ويخفف من معاناة المدنيين. وفي هذا السياق، اكتسب اللقاء الذي جمع البرهان بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أهمية خاصة، بوصفه لقاءا مباشراً ركز على بحث سبل الخروج من الأزمة ضمن إطار توافقي أوسع.

 

ولا يمكن فصل الزيارة عن الحراك الإقليمي والدولي المتزايد تجاه الملف السوداني، والذي بات ينطلق من قناعة مفادها أن إدارة الصراع لم تعد خياراً، وأن وقف إطلاق النار ينبغي أن يكون مدخلاً لمسار سياسي متكامل لا خطوة منفصلة عنه. هذا المعنى عبّرت عنه الدكتورة أماني الطويل، الخبيرة في الشؤون الإفريقية ومديرة البرنامج الإفريقي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، حين أشارت إلى الأمل في أن تكون للزيارة ما بعدها لصالح الشعب والدولة السودانية، وأن تدعم خطوات واقعية نحو وقف القتال.

وبحسب مصادر دبلوماسية، فإن لقاء الرياض جاء تتويجاً لتحركات سبقت الزيارة، من بينها زيارة نائب وزير الخارجية السعودي وليد الخريجي إلى بورتسودان، والتي حملت رسائل سياسية واضحة بشأن مقاربة المرحلة المقبلة. وتقوم هذه المقاربة على ترتيب الأولويات بشكل متدرج، يبدأ بوقف إطلاق النار ويمتد إلى تهيئة بيئة سياسية تسمح بعودة الدور المدني، وإعادة تنظيم العلاقة بين المؤسسة العسكرية والسلطة الانتقالية.

في هذا الإطار، يبرز توافق الرباعية الدولية بوصفه عنصراً مركزياً في إدارة هذا المسار، حيث تشكل كل من الولايات المتحدة، والمملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، ومصر إطاراً سياسياً ضاغطاً باتجاه وقف الحرب والانتقال إلى حل سياسي. وتؤكد واشنطن باستمرار أولوية حماية المدنيين وربط أي تقدم سياسي بمسار مدني ذي مصداقية، فيما تلعب القاهرة دوراً محورياً في الدفع نحو تسوية تحفظ وحدة الدولة السودانية وتمنع انزلاقها إلى مزيد من التفكك.

وفي السياق نفسه، جاء الاتصال الذي جرى بين وزيري خارجية السعودية ومصر ليعكس حرص العاصمتين على تنسيق المواقف والتأكيد على ضرورة الالتزام بما تم التوافق عليه داخل الرباعية الدولية، لا سيما في ما يتعلق بوقف إطلاق النار والانخراط الجاد في مسار سياسي منظم، باعتباره الإطار الوحيد القابل للاستمرار.

كما شددت الإمارات على هذا التوجه في أكثر من مناسبة، حيث أكد أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، أن استقرار السودان يمر عبر إنهاء القتال والانخراط في عملية سياسية شاملة. كما أكدت لانا نسيبة، وزيرة دولة، أن وقف الحرب وحماية المدنيين يمثلان المدخل الأساس لأي تسوية سياسية مستدامة.

وتشير المعطيات المتداولة إلى أن النقاشات الجارية تربط بين وقف إطلاق النار وترتيبات المرحلة الانتقالية، بما يشمل تحديد أدوار واضحة للمؤسسة العسكرية، وفتح المجال أمام القوى المدنية لتشكيل حكومة تحظى بقبول داخلي ودعم دولي، مع تأجيل أي مناقشات حول إعادة الإعمار إلى حين حسم ملف الترتيبات السياسية. وينظر إلى هذا الربط باعتباره ضمانة لتفادي العودة إلى دوامة العنف، وتوفير حد أدنى من الاستقرار يسمح بمعالجة الملفات الإنسانية والاقتصادية العاجلة.

بهذا المعنى، تقرأ زيارة البرهان إلى الرياض بوصفها جزءا من جهد توافقي إقليمي ودولي يسعى إلى تقريب المواقف وبناء أرضية مشتركة لمرحلة ما بعد الحرب. فالتحدي لا يكمن في إطلاق المبادرات بقدر ما يكمن في تحويلها إلى خطوات عملية قابلة للتنفيذ، تعيد للسودان مساره الطبيعي كدولة مستقرة وفاعلة في محيطها الإقليمي.

ويبقى الرهان معقوداً على أن تفضي هذه الجهود إلى نتائج ملموسة خلال الفترة المقبلة، تضع حدا للحرب وتفتح أفقا سياسيا جديدا يلبي تطلعات السودانيين في الأمن والاستقرار.

Exit mobile version