تبعثر خريطة السيطرة والنفوذ هل ترسم واقعًا جديدًا؟

أفق جديد

في أعقاب سيطرة قوات “الدعم السريع” على كامل ولايات دارفور وولاية غرب كردفان، وتبعثر خريطة السيطرة والنفوذ للأطراف المتقاتلة، وتعثر جهود الوساطة الدولية، فإن كرة لهب الحرب في طريقها لترسم من جديد الأوضاع العسكرية والميدانية وإعادة ترتيب مناطق النفوذ عبر فوهة البندقية والمسيرات الانتحارية.

وحسب خبراء عسكريون وسياسيون تحدثوا لـ”أفق جديد”، فإن التطورات العسكرية الجديدة، ستؤدي إلى إزدياد المواجهة في مسرح العمليات الممتد من المثلث الحدودي الواقع بين السودان وليبيا إلى الحدود مع دولة جنوب السودان بما يزيد عن  1500 كيلومتر وبعمق ما يقارب الـ 1000 كيلومتر من غرب الأبيض إلى الجنينة، وبروز ملامح حدود دولية أو على الأقل حدود أمر واقع بدأت تتشكل لتتمحور حول حكومتين في بورتسودان ونيالا.

وفي 10 ديسمبر الجاري أعلن جيش دفاع شعب جنوب السودان، بدء انتشاره لتأمين حقل هجليج النفطي، في أعقاب اتفاق ثلاثي بين رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، ورئيس دولة جنوب السودان سلفا كير ميا رديت، وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو.

وفي 8 ديسمبر الجاري، أعلنت قوات “الدعم السريع” سيطرتها على بلدة هجليج النفطية بولاية غرب كردفان بعد أن أخلى الجيش السوداني مواقعه الدفاعية هناك وانسحب داخل أراضي دولة جنوب السودان حيث جُرّد من السلاح.

وقال رئيس هيئة أركان جيش دفاع شعب جنوب السودان، بول نانق، في تصريحات صحفية من داخل حقل هجليج في الأراضي السودانية إن “اتفاقًا ثًلاثيًا بين سلفاكير والبرهان وحميدتي وراء دخول جيش دفاع شعب جنوب السودان إلى هجليج”.

وأوضح أن الاتفاق نص على انسحاب الجيش وخروج الدعم السريع من المنطقة، وأكد أن الهدف من الاتفاق هو ضمان عدم حدوث تخريب في المنشآت النفطية.

وأشار إلى أن قوات الدعم السريع ستنسحب إلى خارج المنطقة على أن يتولى جيش دفاع شعب جنوب السودان حماية المنشآت من أي تخريب.

ازدياد المواجهة في مسرح العمليات

يقول الفريق أول ركن محمد بشير سليمان، وهو الناطق الرسمي الأسبق للقوات المسلحة والخبير العسكري والاستراتيجي. إن “الانتصارات التي حققتها مليشيا الدعم السريع من استيلائها على مدينة الفاشر، ثم من بعدها السيطرة على مدينتي بابنوسة وهجليج بأبعادهما الاستراتيجية، ستؤدي إلى ازدياد المواجهة في مسرح العمليات الممتد من المثلث الحدودي الواقع بين السودان وليبيا إلى الحدود مع جنوب السودان وبما يزيد عن  1500 كيلومتر وبعمق ما يقارب الـ 1000 كيلومتر من غرب الأبيض إلى الجنينة، وذلك ما يزيد من تعقيدات وتكاليف هدف التحرير الكامل للأراضي السودانية من المليشيا والذي حدده القائد العام للجيش السوداني من حيث الوقت، ومتطلبات القوات المقاتلة من حيث حجم القوات، والإمداد اللوجستي وتأمين الاحتياطيات”.

وأوضح سليمان في حديثه لـ”أفق جديد”، أن “هذه الانتصارات مقرونة مع الانتصار الاستراتيجي لمليشيا الدعم السريع باحتلالها لمدينة الفاشر اكسبتها حقلًا واسعًا في ميدان المناورة العسكرية في مجال التخطيط للقتال وتحركات القوات”.

وأضاف: “لاشك أن هذه الانتصارات قد وفرت للمليشيا منطقة تتوفر فيها العنصر البشري لتأمين الإمداد بالمقاتلين بحسبان أنها تمثل الحاضنة المجتمعية لمليشيا الدعم السريع ، وأمنت هذه السيطرة بعدًا سياسيًا لحكومة تأسيس مربوطًا بالمساحة الأرضية، التقاء بمنطقة جبال النوبة حيث الاقتراب من الحركة الشعبية شمال لعبد العزيز الحلو ، الشريك في حكومة تأسيس، وبما يحفز لمزيد من العمليات”.

وتابع: “أيضا لا يمكن إغفال الأثر الاقتصادي الذي حققته مليشيا الدعم السريع بالاستيلاء على حقل هجليج  بتداعياتها السلبية على حكومة السودان ودولة جنوب السودان، وذلك ما يتطلب تنسيقًا أمنيًا  واقتصاديًا بينهما لمعالجة الآثار السالبة لهذه السيطرة”.

حدود الأمر الواقع تمهيدا لتخلق دولتين

من جهته يقول الكاتب والمحلل السياسي، أنور سليمان، إن “التصعيد الأخير ومع تعثر جهود الوساطة الرباعية وعدم حدوث تأثير بعد لدخول الرئيس الأمريكي بثقله على خط الوساطة؛ فإن كرة الحرب يتوقع أن تنتقل إلى مناطق نفوذ عبد العزيز الحلو (جبال النوبة) وتحديدًا كادقلي حيث الفرقة 14 والدلنج، ثم إلى أبو جبيهة وشرق كردفان وذلك بغرض تضييق الخناق على العاصمة الكردفانية (الأبيض) حيث الفرقة 5”.

وأضاف سليمان في حديثه لـ”أفق جديد”: “باكتمال ذلك (سيطر المليشيا على كامل إقليمي دارفور وكردفان) تكون خطوط التماس و(الجبهة أكثر وضوحًا وتكون ملامح (حدود) دولية أو على الأقل حدود أمر واقع بدأت تتشكل وتتمحور حول حكومتين (حكومة الأمل في بورتسودان وحكومة تأسيس في نيالا) تمهيدًا لتخلق دولتين”.

تهديد العمق الاستراتيجي 

الخبير العسكري، محمد بشير سليمان رأى أن من “أهم المكاسب التي حققتها مليشيا الدعم السريع من هذه الانتصارات أن اصبحت طرق امدادها بمتطلبات القتال ميسورة، وأكثر أمانًا إمدادًا لقواتها في مناطق القتال شرقًا، حتى تخوم الخط  العملياتي الممتد من مدينة الدبيبات الاستراتيجية جنوبا والممتد شمالًا إلى مدينة النهود، وما بعدها وصولًا إلى مناطق ولاية شمال دارفور عند حمرة الشيخ، وأم بادر وسودري، حيث يتم إمداد مليشيا الدعم السريع المنفتحة عند مدينة بارا، وعلى امتداد المنطقة الشرقية الواقعة على طريق الصادرات وصولًا حتى مدينة جبرة التي تبعد عن ولاية الخرطوم غربًا بحوالي 200 كيلو متر، وحيث ينتشر العدو في هذه المنطقة بحسب أنها هدف استراتيجي يتطلب المحافظة عليه في هذا العمق الذي  يهدد الأمن القومي السوداني في عمقه كثيرًا”.

وقال: “بحسب نتائج الانتصارات العسكرية التي سبق ذكرها، فلا شك أنها تنعكس إيجابًا على الروح المعنوية للمليشيا، تحفيزًا للقتال تحقيقًا لمزيد من الانتصارات، وذلك ما على القيادة العسكرية السياسية للجيش السوداني التخطيط لإجهاضه مع تسريع العمليات كسبًا للوقت تحقيقًا للهدف الاستراتيجي العسكري السياسي”.

وأضاف: “بناء على ما جاء في أعلاه  فإن سيناريوهات ما جاء بحسب ما تم ذكره تتمثل في  أدناه من قبل الدعم السريع استفادة من النتائج التي تحققت لمليشيا الدعم السريع ، ورغبة من الداعمين له خاصة الإمارات المتحدة التي يقاتل وكالة عنها: التخطيط و بأسبقية الأهداف مع اعتبار عامل الوقت للوصول لمدينة الأبيض الاستراتيجية والسيطرة عليها، وهذا حساب عملياتي محض، لا يسبقه هدف آخر وفق المفهوم العسكري، بحساب أن السيطرة على مدينة الأبيض يحقق مجموعة أهداف عسكرية وسياسية واقتصادية واجتماعية ، تنعكس سلبًا على الأمن القومي السوداني تهديدًا لعمقه حيث القرب من العاصمة القومية”.

 وتابع، “إذا اعتبرنا سيطرة الدعم السريع على المنطقة شرقا في ولاية غرب كردفان حتى الدبيبات بموقعها الاستراتيجي حيث تشكل سيطرة دائرية على مسرح العمليات غرب وجنوب غرب الأبيض، بالسيطرة على طريق الأبيض، الدبيبات، الدلنج، كادقلي، لاشك أن هذا المسلك سوف يؤدي إلى سقوط مدينتي الدلنج، كادقلي دون قتال بحسب المفهوم العسكري، خاصة إذا تقرب العدو لهاتين المدينتين وناوشهما فقط دون قتال، خاصة مع انفتاح قوات الحركة الشعبية شمال بقيادة الحلو تهديدا للمدينتين،  وذلك ما يجب أن تتنبه له القوات المسلحة السودانية تسريع لعملياتها الكلية والتي من بينها العمليات على محور الأبيض كازقيل الحمادي الدبيبات الدلنج كادقلي لتطهيره وصولا لمدينة كادقلي”.

لافتا إلى أن “العدو يسعى للمحافظة على مدينة بارا وانفتاحه بالمنطقة شرقها وشمال شرقها لتأمين وجوده في عمق ظهر وعمق القوات المسلحة حيث القرب من الخرطوم مسافة وهذا ما يتطلب من القيادة العسكرية السياسية الالتفات له تطهيرًا للمنطقة، ولا شك أن خطوة كهذه سوف تزيل عامل الدهشة والاستغراب الذين يحيطان ليس بالمخططين العسكريين ولكن بالمواطن العادي الذي تترد في ذهنه الكثير من الأسئلة التي يفرضها الواقع غير المنطقي “.

وختم الخبير العسكري بالقول: “لاشك أن السيناريوهات المتوقعة من مليشيا الدعم السريع تنطلق من الهدف السياسي العسكري للمدعوة حكومة تأسيس والتي حددته في أنها تهدف لحكم السودان، وذلك ما يتم بناء عليه سقف ومسار العمليات العسكرية لمليشيا الدعم السريع . فهل تخرج القوات المسلحة من حالة الهدوء والبيات والاسترخاء العملياتي، غير مدركة الأسباب، وبما انعكس سلبًا على الاستنفار وتعبئة المقاومة الشعبية ، والذي أصبح مظهرًا مألوفًا في الكثير من ولايات السودان التي حسب أهلها أن الحرب قد انتهت، وهي ما زالت الأقرب من أي توقع، وذلك ما يفرض الإعداد والاستعداد والحذر”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى