تحالف التأسيس: بين ولادة دولة جديدة وسقوط السودان في المجهول

حاتم أيوب أبو الحسن

*حاتم أيوب *

في قلب الخرطوم وعلى امتداد هوامش السودان المنسية، يطلّ تحالف التأسيس كلاعب غير مسبوق، لا يشبه ما سبقه من تجارب سياسية أو عسكرية. تحالفٌ هجين، يجمع الحركة الشعبية، والحركات المسلحة، والقوى المدنية، وقوة الدعم السريع، في مشهد صادم يعكس عمق الانهيار الذي أصاب الدولة السودانية. هذا التكوين يمنحه وزنًا عسكريًا وسياسيًا هائلًا، لكنه في الوقت نفسه يضعه أمام سؤال وجودي لا يحتمل التأجيل: هل هو مشروع إنقاذ يعيد بناء الدولة، أم وصفة لانفجار شامل يعمّق الفوضى ويعيد إنتاج الصراع؟

التحالف يرفع راية القطيعة مع هيمنة الجيش التقليدية، ويسعى لملء فراغ السلطة في دولة تآكلت مؤسساتها، وتفككت شرعيتها، وانقسم مجتمعها تحت ضغط الحرب. غير أن هذا الطموح يصطدم بتناقضات داخلية حادة: أيديولوجيا الحركة الشعبية المتجذرة في تاريخ الصراع مع المركز، وحسابات الحركات المسلحة المرتبطة بالجغرافيا والنفوذ الإقليمي، وتردد القوى المدنية وضعف أدواتها، مقابل الثقل العسكري والسياسي المتنامي للدعم السريع. إدارة هذا التناقض ليست تفصيلًا ثانويًا، بل هي الخط الفاصل بين بناء دولة ممكنة أو الانزلاق إلى فوضى شاملة.

يمتلك تحالف التأسيس نفوذًا حقيقيًا في مناطق طالها التهميش لعقود، ويخاطب شرائح إجتماعية سئمت من وعود المركز ومن صراعات النخب. لكنه يدرك، أو يفترض أن يدرك، أن القوة العسكرية وحدها لا تصنع دولة ولا تمنح شرعية. الرهان الأخطر يتمثل في قدرته على التحول من تحالف سلاح إلى مشروع سياسي متماسك، بخطاب مؤسساتي واضح، ورؤية دولة تطمئن الداخل وتخاطب الخارج، وتثبت أن ما يطرحه ليس مجرد بديل مسلح، بل أفق حكم قابل للحياة.

إقليميًا، يُنظر إلى التحالف بقلق بالغ. دول الجوار تراقب تمدده باعتباره عاملًا قد يعيد رسم خرائط الأمن، وحركة اللاجئين، وتوازنات الحدود. أما دول الإقليم، فتقرأ صعوده من زاوية المصالح والنفوذ، لا من زاوية الديمقراطية أو الاستقرار. دوليًا، يراقَب التحالف باعتباره نقطة مفصلية: إما بوابة نحو تسوية سياسية جديدة، أو شرارة لجولة صراع أطول وأكثر تعقيدًا، في بلد يحتل موقعًا حساسًا في حسابات الأمن والاقتصاد العالميين.

تحالف التأسيس، في جوهره، تجربة محفوفة بالمخاطر: طموح سياسي كبير يستند إلى قوة عسكرية ضخمة، لكنه محاصر بانقسامات داخلية وضغوط خارجية لا ترحم. مستقبل السودان لن يُحسم بمنطق الغلبة، بل بقدرة هذا التحالف – أو فشله – على صياغة رؤية دولة تعترف بالتنوع، وتعيد بناء المؤسسات، وتضع حدًا لدائرة الحرب المفتوحة.

إن نجح، فقد يشهد السودان إعادة تشكيل جذرية لموازين القوى داخليًا وإقليميًا، ويقدّم نموذجًا نادرًا لتحول القوة المسلحة إلى مشروع سياسي قابل للحكم والبناء. وإن فشل، فلن يكون السقوط محدودًا، بل قد يفتح أبواب المجهول على مصراعيها، بفوضى تتجاوز حدود السودان، وتمتد آثارها إلى الإقليم ومصالح القوى الكبرى.

 

 

 

Exit mobile version