«أوقفوا الحرب»…. صرخة طبيبة تايوانية عاشت في السودان أقسى مهمة في حياتها

بقلم إيليا مارسيا إسكندر – صحيفة نيو ستريتس تايمز
تصف الدكتورة آني لين مهمتها الأخيرة في السودان بأنها الأقسى في مسيرتها الطبية، تجربة تجاوزت في قسوتها كل ما عاشته سابقًا في مناطق نزاع أخرى.
في غرفة عمليات متواضعة بمدينة طويلة، إحدى المدن القليلة التي ما زالت تضم مستشفى يعمل وسط حصار خانق ومجاعة وقصف متواصل منذ أكثر من 18 شهرًا، توقف قلب امرأة أثناء خضوعها لعملية قيصرية. لم يكن هناك جهاز أشعة سينية، ولا تصوير مقطعي، ولا تحاليل كهارل أساسية، ومع ذلك حاول الفريق الطبي بكل ما يملك إنقاذها.
تقول الدكتورة لين، طبيبة التخدير التايوانية العاملة مع منظمة أطباء بلا حدود:«بدأنا الإنعاش القلبي الرئوي واستعاد قلبها النبض، لكنها فارقت الحياة في اليوم التالي. كانت أمًا لعشرة أطفال… وفي ذلك اليوم، فقدوا أمهم».

لم يكن السودان ضمن خططها. فقد كانت تطمح للعمل في جنوب السودان، لكن الحاجة الملحة لطبيب تخدير دفعتها إلى هذه المهمة. أمضت شهرين في البلاد، ووجدت نفسها في ما وصفته بـ«أقسى بيئة عمل واجهتها على الإطلاق».
وتضيف:«عملت سابقًا في أفغانستان وسيراليون، لكن السودان كان الأصعب. حتى وسائل النقل هنا بدائية، وتعتمد في الغالب على الحمير والجمال».
استغرقت رحلتها البرية من تشاد إلى طويلة قرابة ثلاثة أيام عبر الرمال والحر الشديد. عند الوصول، كانت الأمتعة مغطاة بالغبار، ومكان الإقامة يعج بالحشرات والزواحف. أما المستشفى، فكان يفتقر إلى أبسط التجهيزات الطبية.

توضح:«في المختبر لم نكن قادرين سوى على فحص الهيموغلوبين وسكر الدم. لا تحاليل للكهارل، ولا إنزيمات قلب، ولا وظائف للغدة الدرقية».
في الخارج، كان اليأس مشهدًا يوميًا؛ عائلات بلا مأوى تنصب أسرّتها على جانب الطرق، وأخرى تفترش الأرض ببطانيات رقيقة، في ظل برودة ليلية تصل إلى 15 درجة مئوية.

قبل أكتوبر، كان الفريق الطبي يُجري ما بين ست إلى ثماني عمليات جراحية يوميًا. لكن بعد سيطرة قوات الدعم السريع على الفاشر في 26 أكتوبر، تدفق عشرات الآلاف من النازحين عبر الصحراء إلى طويلة، وارتفع عدد العمليات إلى 24 يوميًا.

تقول الدكتورة لين:«كانت معظم الإصابات ناتجة عن طلقات نارية وشظايا وانفجارات».رغم وجود غرفتي عمليات فقط، عمل الفريق من الصباح حتى الليل، غالبًا دون طعام. لاحقًا، أُقيمت خيمة تضم غرفتين إضافيتين، وانضم جراح فرّ من الفاشر، إلى جانب دعم من اللجنة الدولية للصليب الأحمر.

جراحة في الظلام
كانت الكهرباء والإنترنت ينقطعان باستمرار. وتتذكر الدكتورة لين انقطاع التيار أثناء عملية فتح بطن:«اضطررنا فورًا إلى تشغيل جهاز التنفس يدويًا».
وبسبب نقص الكوادر، أُجبر الأطباء على العمل خارج تخصصاتهم. الجراح العام السويدي كان يجري عمليات كسور وجراحات عيون، مستعينًا باستشارات عن بُعد أو كتب طبية.أما الدكتورة لين، فاضطرت لمعالجة حالات أنف وأذن وحنجرة، من بينها رضيع يبلغ تسعة أشهر علقت قطعة بامية في مريئه.

في ظل حصار قوات الدعم السريع ومنع الإمدادات الغذائية والطبية لأكثر من عام، بدا سوء التغذية واضحًا على الأطفال.«كنت أظن أن بعضهم في عمر السنة أو السنتين، لكنهم في الحقيقة كانوا في الثالثة أو الرابعة»، تقول لين، مشيرة إلى انتشار فقر الدم وانخفاض الهيموغلوبين بشكل واسع.

تقول الطبيبة : شكّل حاجز اللغة تحديًا إضافيًا، إذ لم يكن كثير من المرضى ولا بعض الموظفين يتحدثون الإنجليزية. كان هناك مترجم واحد فقط يتنقل بين غرف العمليات.«أحيانًا كنت أعتمد على لغة الجسد، وحتى على تطبيق ترجمة جوجل»،

أوقفوا الحرب.
حين سُئلت عمّا يمكن للعالم فعله، جاء ردها حاسمًا:«أوقفوا الحرب. أوقفوا الإبادة الجماعية».
وحذّرت من أن خفض التمويل الدولي، لا سيما من الولايات المتحدة، يزيد الوضع سوءًا، مؤكدة أن التبرعات باتت شريان حياة للمدنيين.
ورغم الصدمة والإرهاق، تقول الدكتورة آني لين إنها مستعدة للعودة إلى طويلة دون تردد:«من بين كل المهمات التي شاركت فيها، هذا المشروع هو الأكثر احتياجًا للمساعدة».

Exit mobile version