
السرالسيد
(حرف ونقطة)، عنوان كتاب للمؤلف والناقد المسرحي السوداني د.خالد المبارك، والكتاب ليس موضوع هذا المقال وان كنت سأشير اليه.. موضوع المقال هو مقال: (المسرح السوداني الي أين)، الموجود ضمن مقالات الكتاب.
أولاً: *عن الكتاب*:
يقول الناقد المسرحي السوداني بروفسير اليسع حسن احمد عن الكتاب في كتابه (أسفار في مسيرة المسرح المسرح السوداني)، الصادر عن هيئة الخرطوم للثقافة والنشر في العام 2018، في صفحة 114..يقول: (يسوقنا.. أي الكتاب الي ملاحظات، أهمها مواكبة ما يمكن تسميته بالنقد التطبيقي للحراك المسرحي والعروض المميزة في المواسم المسرحية حتي نهاية فترة الكتاب). واضيف انا ان كتاب حرف ونقطة قد نشره المعهد العالي للموسيقي والمسرح في العام 1980،و لعل هذا ما يجعلني أن اعتبره الكتاب التأسيسي الأول في ما يعرف بالنقد التطبيقي المتصل بدراسة العروض المسرحية..صحيح كانت هناك كتابات حول العروض المسرحية سابقة له كالتي كتبت في فترة الثلاثينيات ولكنها لم تنشر في كتاب الاّ مؤخرا وهنا أعني بعضها ككتابات عرفات محمد عبدالله، أو متزامنة معه كالتي نشرت في مجلة الاذاعة والتلفزيون وبعض الصحف السودانية وهي ايضا لم تنشر في كتاب. وصفته بالتأسيسي لأنه تفرّد أيضا وفي وقت مبكر بأشتماله علي تحقيق دقيق عن عرض مسرحي مركزي في التجربة السودانية هو عرض، (المرشد السوداني او نكتوت)، لمامور القطينة المصري الجنسية مختار عبد القادر، التي عرضت في العام ١٩٠٨، مع ملاحظة ان هذا العرض تمت الاشارة له في مواضع أخري كما في “كراسة هلليسون”، التي ترجمها الي العربية الدكتور عثمان جعفر النصيري ونشرها مركز عبدالكريم ميرغني الثقافي الا ان الاشارة لم تكن بالشمول الذي في الكتاب، وأيضا تفرّد بتعرضه لتجربة مسرحية مهمة كانت في مدينة سواكن في العام 1916 بقيادة الرائد المسرحي حسين ملاسي في اشارة ذكية الي توسعة ماعون التوثيق للمسرح السوداني حتي لا يكون حصريا علي المسرح في امدرمان والخرطوم. هذا اضافة الي إشاراته الكثيرة وفي وقت مبكر جدا لتجارب مسرحية دالة خارج الحدود، كاشارته للمسرح الفقير وكيف يمكن ان يكون خيارا للمسرح السوداني واشارته كذلك للمسرحي الشهير الجنوب افريقي اثول فوجارد.. ثمة اشارة مهمة هنا هي ان كتاب حرف ونقطة، كان هو الكتاب الرابع من حيث الترتيب في تاريخ نشر الكتاب المسرحي فقد سبقته في النشر كتب:،(أصوات وحناجر) للدكتور أحمد الطيب احمد، و (المسرح في السودان 1905-1918)، للدكتور النصيري، و (الحركة المسرحية في السودان 1967-1978)، للدكتور سعد يوسف والأستاذ عثمان علي الفكي الا أنها جميعا لم تكن مشغولة بشكل تفصيلي بنقد العروض المسرحية، واخيرا أشير الي أن الكتاب حوي موضوعات أخري غير الوثائق والمقالات النقدية للعروض المسرحية التي نشرت في الصحف في الفترة من ١٩٦٧ الي ١٩٧٩.
*المسرح السوداني الي اين*؟
يبدأ د.خالد المبارك مقاله هذا بقوله: (في هذا العام ١٩٧٧ بلغ مسرحنا القومي السوداني العاشرة من عمره)، ويشير الي انه كتب هذا المقال بهدف الكشف عن مساهمة بعض المؤلفين، والتعرض لبعض المشاكل، وتلمس اتجاهات المستقبل.. هذه الرغبة في حد ذاتها والمتمثلة وبعد عشرة سنوات فقط، في الشروع في التفكير في مستقبل المسرح الرسمي من خلال منصته الاساس (المسرح القومي)، والذي يمثل لحظة تحول في توطين المسرح في الحياة السودانية، ومن خلال مؤلفين وضمنا مخرجين لهم مساهمتهم الواضحة كحمدنا الله عبدالقادر، والفاضل سعيد، وخالد ابو الروس والمخرح مكي سنادة الذي اخرج مسرحيتي :خطوبة سهير”، و “المنضرة”، لحمدنا الله. هذا الانتخاب ان دل علي شئ انما يدل علي توفر حساسية نقدية تنهض علي خيال استراتيجي ولا غرابة هنا فقد كان الدكتور واحدا من تلك الكوكبة التي جعلت من الثقافة عَرَقا في خدمة الناس فقد كان علي صلة ب(ابا دماك)، اضافة الي خلفيته اليسارية. نشير الي ان هذا الانتخاب لم يأت علي سبيل التوثيق وانما نهض علي قراءة نقدية من بعض ما تكشفه، التركيز علي المنتج دون ما اعتبار لموقع الذي انتجه، فقد قال عن الفاضل سعيد مع اعترافه بتميزه وابداعيته: (ان المشكلة الوحيدة التي تواجه هو عجزه عن التطور، وان مسرحياته تتوقف عن النمو، وانه تملق المشاهدين في مسرحيته عم صابر واتخذ مواقف عاجزة عن فهم تمرد الشباب في الملابس والشعر وغيرها)، وقال عن حمدنا الله عبدالقادر، بعد الاشارة الدقيقة الي موقع تقنية الحوار في نصوصه، (… لا يميل حمدنا الله للتنويع في الزمن او الزمان، لا استرجاع ولا صلة بين الصالة والخشبة، كما اشار وبشئ من التحفظ الي ان حمدنا الله لا يناقض مفاهيم المجتمع وممارسته الا في حدود معينة لا يتخطاها)، وقال عن خالد ابو الروس: (العم خالد ابو الروس جزء من تاريخ المسرح وليس حاضره، وان كره هذا القول).
ومن بعض ما تكشفه كذلك، اي – تلك القراءة- وضعية النقد المسرحي في ذلك الوقت – وقت كتابة المقال – فالمقال وبرغم توفره علي الكثير من الافكار النقدية المبهرة، لكن عندما ننظر اليه بمرآة النقد المسرحي اليوم، سنجد انه نهض علي بعض المسلمات التي قد لا تصمد اليوم ومن ذلك مثلا قوله ان مسرحيات الفاضل سعيد تتوقف عن النمو، او اشارته الي ان استخدام حمدنا الله للعامية السودانية هو ما جعله ينحصر محليا، فالواقع يقول الان ان ما يجعلك محصورا في جغرافيتك ليس نوع اللغة التي تكتب بها وانما اشياء اخري، وكذلك اشارته الي ان مسرحيات حمدنا لا تؤسس لعلاقة بين الصالة والخشبة، وهذا افتراض بمعطيات اليوم فيه نظر، اما قوله: ان ابو الروس جزء من تاريخ المسرح وليس حاضره، فلا يمكن فهمه الا برده الي سجالات ذلك الوقت بين المسرحيين الذين درسوا المسرح وبين الذين تلقوه كفاحا، حيث لا يمكن ان تكون تاجوج او خراب سوبا او إبليس ليست من حاضر المسرح لا في وقت كتابة المقال ولا في الوقت الراهن فللنصوص حيواتها.
بقي أن أشير إلى أن ما يميز هذا الكتاب ويجعله ضروريا هو اقتحامه وفي وقت مبكر فضاءات، تعاطي معها نقدنا المسرحي في تسعينيات القرن الماضي ومن ضمنها “لارتجال”، مديحه والاعتراف به كأسلوب لصناعة العرض المسرحي بعد أن كان مستهجناً في زمن كتابة المقال وما بعده، فقد أصبح أكثرنا بعد هذا الاعتراف يتحسس أفكاره حول مسرح الفاضل سعيد.
جاء في المقال: (اسلوب الفاضل سعيد في التأليف يعتمد علي الارتجال وليس علي النص المكتوب وهذا منهج له مزايا ومعروف عالمياً وتستفيد منه جوان ليلورد كما يستفيد منه بيتر بروك واثول فوجارد.