جوابات للاحباب: رسالة لسمية سليمان(2)

عثمان يوسف خليل

والسلام متلت ومربع يغشاك ياسمية ويهلّ عليك زى هلال العيد بكل الخير ، وطبتِ وطابت لكِ الدنيا وبعد،

اكتب لكِ رسالتي هذه وللمرة الثانية مشفعة باحترامي لمقامك..يبدو ان نَفَس الرسالة الاولى كان له وقع طيب عند البعض،حتى لو كانوا قلة، وعندي انه ان قرأني شخص واحد وفهم مقاصدي فهذا يكفيني..

عندما يكتب الكاتب ينتظر رد فعل القارئ كالأطفال يتنافسون في فتح الباب عند أول طارق آخر النهار يسبقهم الشوق لملاقاة والدهم الذي ياتي بما يشتهونه وهو يعرف طبائعهم وما يتوقعونه منه..

 

الخطاب المكتوب يا سيدتي أراه كما المسك الذي يتسرب في الدواخل فينعش هذه الروح المعنَى، وهذه الكلمة النادرة الاستعمال استلفتها من سيد المعذبون في زمانه الشاعر الفذ إدريس جماع ذاك المارد البشري إذا مشى حاسر رأسه عند كل جمال المستشفٍ من كلٌ شيء ٍ جمالا.. هنا دعيني أن اقف وقفة اجلال عند هذا الرجل المسكون بالعبقرية.. يقف الواحد أمام تلك العبقرية التي حيرت الناس ومازالوا في حيرتهم..

 

بمناسبة ذكر جماع، تعرفي ياسمية كنت مرة جالس مع شيخ شعراء السودان الاستاذ عبدالله الشيخ البشير على حديقة المجلس القومي للاداب والفنون في أمسية والأرض مغطاة بنجيلة لطفت ماتبقى من ذاك النهار اللافح الذي اشتهرت به الخرطوم ومازالت، وكنا في انتظار المستشار الثقافي لسفارة الاتحاد السوفييتي (قبل ان يتفكك)، كان لابد ان نقطع الوقت بشي خاصة والاستاذ عبدالله لم يكن يعرف الغرض من لقاء ذلك الملحق، تطرق الاستاذ بالحديث عن الشاعر ادريس جماع الذي تزامل معه في كلية دار العلوم في القاهرة وكان مثار حديثنا حول عبقرية جماع

خاصة في قصيدته الشهيرة التي تقول:

ماله ايغظته الشجون

فقاسى وحشة الليل واستثار الخيال

ماله في مواكب الليل

يمشي أشباحه والظلال

هين تستخفه بسمة الطفل

قوى يصارع الاجيال

حاسر الراس عن كل جمال

مستشف من كل شي جمالا

………..

اشار الاستاذ عبدالله البشير بان جماع في تلك القصيدة وصف نفسه تماماً خاصة عندما حين قال( قوى يصارع الاجيال) واذا شاهدته وهو يشارك في امسيات القاهرة الشعرية تراه يخب الارض خبا في طريقه للمنصة لكن في داخله يختبئ ذلك الطفل الوديع.. فما أعظم جماع وما أروع شيخ شعراء السودان عبدالله الشيخ البشير رحمهما الله فقد وضعا الشعر السوداني في أروع منزلة من منازل الشعر العربي..

 

سمية أكيد انك سمعتي الاستاذ عبد الكريم الكابلي وهو يتغنى بتلك القصيدة بصورة ميلودية وكابلي كما تعرفين اشهتر باختياره للنفائس الشعرية الجذلة من الشعر العربي الفصيح كما انه تجول في حدايق الشعر السوداني قديمه ،خاصة التراثي،ولم ينس الشعر الحديث والمعاصر التي وضع لها جميل الألحان ، اما كابلي يا سيدتي كان قد اختار تلك الابيات من قصيدة جماع واختارها ان تكون مقدمة لأحدى اغنياته..

 

وأظن اني لن آتي بجديد ان ذكرت او ذكّرتكِ بشاعرية كابلي وروائع ألحانه، التي تغنى فيها للحبيبة كما تغنى للمدن شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً،كما تغنى ايضا للمرأة وللمزارع وغنى للوطن..الم يقل لفتاة الغد:

اىُ صوتٍ زار بالأمس خيالي

طاف بالقلب وغنى للجمال

انه صوتي أنا زانه العلم سنى

أنا ام اليوم اسباب الهنا

أنا من دنياكمُ عهد المنى

 

لكنه في نهاية هذه القصيدة اتى بما لم يستطع أن يقوله شاعر قبله او بعده وهنا تظهر عبقرية جماع اللامعقولة:

خلقت طينة الاسى

وعشتها نار وجد

ثم أصحبت صلصال

ثم صاح القضاء كوني

فكانت طينة البوس

شاعراً مثّالَ

بالله عليك هل هذا كلام إنسان عادي.. كيف تجرأ ذاك العبقري وقال ماقال ولم يخف من

ردة الفعل التي سوف تحدث بعد ذلك..

 

تلك ياسمية كانت ثلة من المبدعين الذين أنجبتهم بلادنا فحفظوها صوناً وحفظ لهم التاريخ صنيعهم..وتلك أمم من خيار قد خلت فلهم ماكسبوا ولنا ما كسبنا ولا يسولن عما كانوا يعملون…

مازال في الخاطر الكثير والكثير من نفيس القول وما زلت انتظرك أن تقرأي ما كتبناه.. بس ابقي طيبة لحبايبك وغواليك..

 

 

 

عثمان يوسف خليل

المملكة المتحدة

 

 

Exit mobile version