غرب كردفان.. تصعيد مستمر ونزوح جماعي 

أفق جديد

في ظل استمرار الحرب وتفاقم المعاناة الإنسانية، استقبلت مدينة كوستي بولاية النيل الأبيض آلاف النازحين الفارين من مدينة “هجليج” بولاية غرب كردفان في ظل البرد القارس والنقص الحاد في الغذاء والدواء.

وتأتي موجة النزوح الجديدة بعد إعلان قوات “الدعم السريع” في 8 ديسمبر الجاري سيطرتها على منطقة هجليج وحقلها النفطي في ولاية غرب كردفان.

وأبلغ المواطن، عيسى عبد الهادي، “أفق جديد”، أن أسرته وصلت إلى مدينة كوستي بعد رحلة طويلة وشاقة في ظل التعب والعطش والإرهاق الشديد.

وأوضح أن الأوضاع الأمنية والإنسانية داخل مدينة هجليج والقرى والمناطق المجاورة تدهورت للغاية في ظل التهديدات المستمرة ونقص الخدمات الضرورية من الغذاء والدواء.

من جهتها أفادت المواطنة، حنان عبد الصمد، إن رحلتها مع أطفالها كانت محفوفة بالمخاطر، في ظل انهيار الخدمات الأساسية والأمراض وصعوبة برد الشتاء.

وأضافت حنان في حديثها لـ”أفق جديد”: “نحتاج حاليًا إلى الطعام والعلاج والأغطية الثقيلة لمواجهة موجة البرد”.

وأشارت إلى أن مئات الأسر لا تزال عالقة في منطقة هجليج والمناطق المجاورة وتبحث عن ممرات آمنة للوصول إلى مخيمات النزوح الآمنة بولاية النيل الأبيض. 

كما أبلغ شهود عيان “أفق جديد”، أن عناصر قوات “الدعم السريع”، تعبث بالأمن وتمارس أسوأ الانتهاكات في قرى وبلدات ولاية غرب كردفان.

وذكرت غرفة طوارئ “دار حمر” (نشطاء) في بيان، أن قائد في قوات “الدعم السريع” يُدعى  (أبو عصب) يمارس  سلسلة من الجرائم المروعة في مناطق عديدة بولاية غرب كردفان أبرزها أم البدري، الرويانة، سوسة، وأبو ضقل، أبو ماريقة، ود حمدان، تربة حمرة، وأبو عشار”.

وطبقًا للبيان، فإن القائد الميداني (أبو عصب)، في تلك المناطق “حوّل حياة المواطنين إلى جحيم عبر فرض جبايات مالية ضخمة وغير إنسانية على القضايا، لا تقل عن 3 إلى 5 مليارات جنيه سوداني، وعمليات ابتزاز معيشي يجبر التجار على دفع الجبايات تحت تهديد تكسير متاجرهم مما رفع أسعار السلع إلى مستويات كارثية، وارتكاب جريمة اختطاف النساء والضغط على ذويهن لدفع مبالغ مالية كبيرة مقابل إطلاق سراحهن.

وفي 19 ديسمبر الجاري، قال رئيس بعثة المنظمة الدولية للهجرة في السودان، محمد رفعت، إن أكثر من 50 ألف نزحوا في منطقة كردفان في السودان منذ 25 الماضي في خضم التصعيد المتزايد للأعمال العدائية هناك.

ونبه رفعت في المؤتمر الصحفي نصف الأسبوعي لوكالات الأمم المتحدة في جنيف، إلى أن “الناس في السودان لا ينزحون باختيارهم”، مضيفا أن النزوح في كردفان لا يحدث بشكل متفرق، “بل لأن الناس خائفون”.

وأشار إلى أن النازحين يفرون من مناطق حول بابنوسة وكادقلي والأبيض، “ومن يحالفهم الحظ يصلون إلى النيل الأبيض، لكن من يصل إلى هناك هم نساء وأطفال فقط”.

 وقدّر المسؤول الأممي أن من المتوقع أن ينزح ما بين 90 و100 ألف شخص من المنطقة، إذا استمر القتال في كادقلي.

وأضاف: “من المقدر أن يتأثر نحو نصف مليون شخص من مدينة الأبيض التي تبدو أنها على بعد خطوة أو اثنين من أن تكون التالية التي تتعرض للهجوم”.

رئيس بعثة المنظمة الدولية للهجرة في السودان أعرب عن القلق إزاء الوضع في الفاشر. وقال رفعت: “أحصينا أكثر من 109 آلاف شخص تمكنوا من الفرار من مدينة الفاشر والقرى المحيطة بها. ولا يزال الكثير منهم عالقين في القرى المجاورة، وغير قادرين على التحرك أكثر بسبب المشاكل اللوجستية والأمنية التي نعلمها جميعا”. 

وحذر المسؤول الأممي من تبعات خفض التمويل، قائلًا: “علينا أن نختار أي الأرواح يمكننا إنقاذها، وأي دعم علينا التوقف عن تقديمه. لذلك سنمر بأماكن نعرف أن الناس فيها في أمس الحاجة، لكننا سنتركهم ولن نتمكن من مساعدتهم لأن علينا إعطاء الأولوية لمن هم على وشك الموت”. 

لافتًا إلى أن المنظمة فقدت ما يقرب من 83 مليون دولار من تمويلها، وأضاف: “أدى هذا إلى اضطرارنا إلى تقليص قدراتنا على الأرض بشكل كبير”.

وفي 17 ديسمبر الجاري، حذر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية من تزايد الاحتياجات الإنسانية في السودان مع استمرار فرار آلاف العائلات من الاشتباكات العنيفة في جميع أنحاء منطقة كردفان.

وفي المؤتمر الصحفي اليومي في نيويورك، قال نائب المتحدث باسم الأمم المتحدة، فرحان حق، “لقد عانى الكثيرون من رحلات استمرت لأكثر من أسبوع – غالبًا عبر جنوب السودان – وبدت عليهم علامات واضحة للصدمة. وبينما يقدم لهم شركاؤنا في المجال الإنساني المأوى الأساسي والرعاية الصحية والمياه والصرف الصحي والغذاء والمساعدة في مجال الحماية، فإن الاحتياجات تفوق الموارد المتاحة”.

وقال حق إن شركاء الأمم المتحدة أفادوا بأن أكثر من ثلاثة آلاف شخص عبروا من منطقة كردفان إلى معسكر “ييدا” في جنوب السودان في الأيام الأخيرة، فيما وصل حوالي 2،500 شخص إلى منطقة الفاو في ولاية القضارف من منطقتي كردفان ودارفور، مضيفا أنه من المتوقع حدوث المزيد من النزوح.

كما أشار إلى استمرار تزايد النزوح في بلدة الدبة في الولاية الشمالية، حيث يأوي مخيم العفاض أكثر من 15 ألف  شخص. وقال إنه على الرغم من تكثيف المساعدات، فإن جهود دعم الأمن الغذائي وسبل العيش وتقديم المساعدة النقدية “لا تزال تعاني من نقص حاد في التمويل”.

وفي جميع ولايات السودان الثماني عشرة، تقدّر المنظمة الدولية للهجرة أن أكثر من 9.3 مليون شخص ما زالوا نازحين داخليا، إلى جانب أكثر من 3 ملايين عائد في تسع ولايات – أكثر من نصفهم من الأطفال.

وفي هذا السياق، قال حق: “أفادت ما يقرب من ثلث العائلات النازحة وخمس الأسر العائدة بأنها قضت يوما وليلة كاملين دون طعام خلال الشهر الماضي، بينما لا يزال الوصول إلى الرعاية الصحية والصرف الصحي محدودا للغاية”.

وجدد حق، دعوته لحماية المدنيين واحترام القانون الإنساني الدولي. وقال: “من الضروري أيضًا تسهيل وصول المساعدات الإنسانية بسرعة وأمان ودون عوائق، وزيادة الدعم الدولي لضمان تقديم المساعدات المنقذة للحياة في جميع أنحاء السودان”.

وكانت مفوضة العون الإنساني بولاية النيل الأبيض، لمياء أحمد عبد الله، قد ذكرت في تصريحات إعلامية، إن “المنظمات الوطنية والمجتمع المدني والخيرين شرعوا في تقديم المساعدات الغذائية والإيوائية والخدمات العلاجية للنازحين”.

وتواجه البلاد أزمة إنسانية حادة مع استمرار الحرب التي تقترب من ألف يوم وخلفت أكبر موجة نزوح في العالم، وسط تأكيد أممي أن حجم الاستجابة الحالية لا يزال دون الحاجة.

وسبق أن قال المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك ، إن انعدام الأمن يعرقل عمل فرق الاستجابة الإنسانية.

كما أكد رئيس مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية ماركوس بيرني، أن 10 ملايين سوداني نزحوا داخل البلاد، إضافة إلى 4 ملايين لجأوا إلى دول الجوار.

وأعرب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، عن قلقه إزاء تصاعد الاشتباكات في إقليم كردفان.

وقال تورك، إنّه يشعر بقلق بالغ إزاء تصاعد حدة القتال في كردفان بين الجيش السوداني، وقوات الدعم السريع والحركة الشعبية لتحرير السودان. ودعا جميع الأطراف والدول ذات النفوذ إلى التحرك العاجل من أجل التوصل لوقف لإطلاق النار ومنع ارتكاب الفظائع.

وأشار تورك إلى أن الهجمات العديدة بالطائرات المسيّرة في إقليم كردفان منذ 4 ديسمبر أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 104 مدنيين.

وتشهد ولايات إقليم كردفان الثلاث (شمال، غرب، جنوب) اشتباكات عنيفة منذ عدة أسابيع بين الجيش و”الدعم السريع”، تسببت في نزوح عشرات الآلاف خلال الفترة الأخيرة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى