جذور الأزمة الثقافية والتاريخية في السودان حقيقة تبهت على طاولة التفاوض

وئام كمال الدين

جذور الأزمة الثقافية والتاريخية في السودان  أهم الأسباب الرئيسية للحروب التي شهدها البلاد منذ الاستعمار. ففي بلاد تميزت بالتعدد الثقافي والتنوع الإثني والعرقي، كان يمكن أن يكون هذا التنوع مصدر قوة، لكنه أدى إلى صراعات حول السلطة والموارد.

منذ أن قام الاستعمار البريطاني  ، بتقسيم البلاد إلى مناطق شمالية وجنوبية،  والسودان يعيش تفاقم الانقسامات القائمة على التهميش الثقافي والاقتصادي،  جاعلاً بعض المناطق والجماعات في السودان تشعر بالتهميش الثقافي،والاقتصادي وزارعاً توترات وصراعات بين  المكونات الاجتماعية والثقافية المختلفة  لم تتوقف  الصراعات في السودان على السلطة على الثروة والموارد ، الموارد التي كان يمكن أن تبني بلدًا غنيًا يمتلك الماء والتربة الخصبة والذهب والنفط والصمغ والمحاصيل النقدية  والحضارة القديمة والآثار والتاريخ ، والتي أصبحت محور الصراع إلى جانب السلطة بين مختلف الجماعات والمناطق.

لتتوالى الأزمات أمام ضعف المؤسسات الحكومية والسياسية في السودان، الصراع القديم والذي نشأ مع الدولة نفسها منذ حركة توريت عام 1955، هو تمرد حدث في جنوب السودان،، وكان بداية لنزاع طويل الأمد بين الحكومة السودانية ومجموعات معارضة في الجنوب. والتي بدأت في أغسطس 1955، قبل عام من استقلال السودان من الاستعمار البريطاني، بسبب ذات الأزمات الثقافية والتاريخية من التهميش والاستبعاد: وشعور الجنوبيين بالتهميش والاستبعااد من السلطة والتنمية، ومحاولات الحكومة المركزية فرض الثقافة العربية والإسلامية على الجنوبيين المسيحيين والمتحدثين باللغات الأفريقية. مضاف إليها: التنافس على الموارد والسلطة في المنطقة. قادت إلى حرب أهلية استمرت لعقود، منتجة من أهم الأحداث في تاريخ السودان الحديث. انتهت الحرب الأولى بتوقيع اتفاقية أديس أبابا في 1972، لكن الصراع واندلاع الصراع مجددًا في 1983 واستمراره حتى 2005، وانتهائه بعد عقود بقسمة البلاد إلى بلدين واستقلال دولة جنوب السودان عن السودان.

هو ذاته تاريخ يعيد نفسه بنفس الصراعات وذات الأزمات التاريخية والثقافية التي يضعها الجميع على طاولات السلام عناوين للتكسب السياسي ولتوسعة النفوذ والسلطة والثروة التي تستفيد منها نخب بعينها في اتفاقيات السلام والتي لا تواجه بجدية في طرح الحلول لحلها… إذ لطالما ظلت جذور الأزمة الثقافية والتاريخية في السودان عنوانًا وشعارًا يطرح في كل اتفاقيات السلام دون أن يحل، بل إنه يستخدم فقط لحل مشكلة اطماع المتفوقين على الطاولة في السلطة والنفوذ، موقعين على حلول فوقية لا تلامس المجتمع، لا تحل مشاكلة، ولا تجعله جزءًا من الحل، ليشتعل ذات الصراع مرارًا وتكرارًا، مطيحًا بكل قشور اتفاقات السلام التي لم تجعله أولوية لانشغالها المكاسب….

ومع أن حرب الخامس عشر من أبريل كارثة تضاف إلى الكوارث التي شهدتها هذه البلاد من الأزمات الثقافية والاجتماعية وحكم الإخوان المسلمين، ومع تحديدها لخطاب الكراهية والعنصرية، ومع كل الدمار الذي حل بالبلاد والعباد بسببها، إلا أنها لا تزال فرصة لبناء وطن جديد يوجد حلولًا عميقة لأزمة السودانية، أزمة الهوية والثقافة والصراع التاريخي، فقط إذا تعامل معه الجميع بجدية تصطحب معها السودانيون على الأرض في إيجاد الحلول وتنتجها غيرهم وبهم لا فوقهم، دون النظر إليهم، حلول يصنعها أبناء هذه البلاد بأنفسهم، يضعون فيها إشكالياتهم بما يشبه وصفهم وتعريفهم لها، يعيدون فيها صياغة هذه الأزمة، أصواتهم ويصنعون حلولهم بأيديهم، بأصواتهم، وبقلوبهم، لا بصوت النخبة الآتي من الأعالي، لا بصوت البنادق، بل بصوت السودان وأهله. ربما هنا وبهذه الطريقة فقط يمكن أن يصنع المجتمع المدني في السودان سلامه بيديه وتحت عينه، لخلق حكم مدني وجيش مهنيا وقوميا، وبلاد موحدة، وسلام يعبر عنه، ولا يتجاهل تصوره للعدالة الانتقالية، ولا آماله في البناء، ولا أحلامه في التوزيع العادل للسلطة والثروة والمواطنة ولا أهداف ثورته المجيدة في الحرية والسلام والعدالة….

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى