السودان… المحطة الأخيرة للإسلام السياسي

بقلم : ابراهيم هباني

لم يكن الإسلام السياسي مجرد تيار فكري، بل مشروع سلطة كامل قدم نفسه بديلا للدولة الوطنية. وعد بالإصلاح والعدالة، لكنه في التجربة العملية انتهى غالبا إلى النتيجة نفسها: فشل في الحكم، ارتباك في الإدارة، ثم صدام مع الشعب والمجتمع الدولي والدولة.

اليوم، يبدو السودان بوصفه المحطة الأخيرة التي انكشف عندها هذا المشروع بلا أقنعة.

اختلفت السياقات من بلد إلى آخر، لكن المسار ظل متشابها:
خطاب مظلومية في البدايات، تمدد داخل مؤسسات الدولة، ثم عجز عن إدارة دولة حديثة، فتحولت السياسة إلى معركة وجود. غير أن خصوصية السودان تكمن في أن التجربة لم تغلق بتسوية ولا بتراجع انتخابي، بل بثورة شعبية ملهمة، ومسار محاسبة اقترب من جوهر السلطة نفسها.

ثلاثة عقود من الحكم لم تنتج دولة مستقرة، بل خلفت دولة موازية:
اقتصاد تمكين، شبكات تنظيمية داخل المؤسسات، أراض وأموال عامة خارج الرقابة، وعدالة مرحلة.وارهاب عابر للحدود.

وعندما سقط النظام، لم يكن السؤال كيف تقاسم السلطة، بل ماذا بقي من الدولة. عند هذه النقطة، تحول مسار التفكيك من خلاف سياسي إلى تهديد وجودي لمنظومة الحكم القديمة.

ثم عاد إلى الواجهة الملف الذي لم يغلق يوما: جريمة فض الاعتصام أمام القيادة العامة للجيش في العاصمة. ولم يكن ذلك حدثا منفردا، بل جزءا من عملية متزامنة شملت القيادات والحاميات العسكرية في عدد من الولايات.

هذا التزامن يسقط فرضية العفوية، ويضع الواقعة في سياق قرار واسع النطاق. ملف موثق بشهادات وناجين، لا يلغيه التقادم ولا تطفئه الدعاية، وسيظل حاضرا ما دامت الحقيقة مؤجلة.

حرب 15 أبريل لم تكن صدفة، ولم تكن خروجا عن هذا السياق، بل امتدادا له. عندما تآكل الخطاب وباتت المحاسبة قريبة، صار السلاح اللغة الأخيرة. لم تكن الحرب دفاعا عن الدولة، بل هروبا من الحقيقة، حتى لو كان الثمن وطنا محترقا وشعبا مشرّدا.

وتظهر المقارنة الإقليمية الفارق. ففي مصر، سبقت السياسة السلاح. نداء شعبي واسع أنهى حالة الانسداد، وتحول إلى تفويض استجاب له الجيش لاحتواء الأزمة.

انتهت التجربة بوصفها فشلا في الحكم، وبقيت الدولة قائمة، من دون انزلاق إلى مواجهة مسلحة.

في السودان، جرى العكس. حين عجز المشروع عن التكيف، اختار حرق المسرح بدل مغادرته. لم يكن ذلك تعبيرا عن قوة، بل عن خوف:

خوف من استكمال الثورة، ومن فتح دفاتر الفساد، ومن وصول العدالة إلى محطتها الأخيرة.
*
الخلاصة:*
لم تكن الحرب قدرا، بل قرارا بالهروب من المحاسبة. ولن يكون السلام ممكنا من دون إعادة السياسة إلى مكانها الطبيعي، واستكمال العدالة بلا انتقائية، ونزع أي غطاء أخلاقي عن العنف.
فالأوطان لا تنقذ بالنجاة الفردية، بل بالحقيقة كاملة.

Exit mobile version