
طاهر المعتصم
زيارة البرهان إلى القاهرة، وما أعقبها من بيان رئاسي مصري واضح، كشفت عن مقاربة مصرية تقوم على دعم مشروط للمسار الدولي. مصر أعلنت تأييدها الكامل لرؤية واشنطن لوقف الحرب، لكنها في الوقت نفسه رسمت خطوطاً حمراء لا يمكن تجاوزها: وحدة السودان، عدم الاعتراف بأي كيانات موازية، والحفاظ على مؤسسات الدولة، مع التأكيد على حقها في اتخاذ ما يلزم لحماية أمنها القومي
هذا الموقف يعكس إدراكاً مصرياً بأن انهيار السودان أو تقسيمه سيخلق فراغاً أمنياً خطيراً على حدودها الجنوبية، ويهدد بتدفقات لجوء وفوضى عابرة للحدود، وهو ما يجعل القاهرة حريصة على أن يكون أي حل سياسياً، لا تفكيكياً
الدعم السريع: تمدد عسكري وعزلة سياسية
على الجانب الآخر، ورغم التمدد العسكري لقوات الدعم السريع في دارفور وأجزاء من كردفان، وتسريبات عن وجودها في مناطق حساسة كالمثلث الحدودي الشمالي ومناطق متاخمة للنيل الأزرق، فإن هذه المكاسب الميدانية جاءت مقرونة بتكلفة سياسية وأخلاقية متصاعدة
الانتهاكات الواسعة التي وثقتها تقارير حقوقية في الفاشر، بعد سيطرة الدعم السريع عليها في 26 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، دفعت مجموعات حقوق الإنسان إلى التحرك نحو مجلس حقوق الإنسان والأمم المتحدة. كما تشير تقارير صحفية إلى تراجع أو وقف دعم خارجي من بعض الجهات الإقليمية، ما يضع الدعم السريع تحت ضغط متزايد، ويحد من قدرته على تحويل السيطرة العسكرية إلى شرعية سياسية
عودة للمدنيين
وسط هذا الاستقطاب العسكري، بدأت ملامح حراك مدني جديد تظهر، وإن بشكل حذر. لقاءات نيروبي في ديسمبر (كانون الأول) الجاري، وتوقيع إعلان مبادئ مشترك من قوى مدنية، كان من أبرزها عبد الواحد محمد نور، تعكس محاولة لإعادة بناء كتلة مدنية مستقلة عن الاستقطاب العسكري
في القاهرة، جاءت لقاءات القوى المدنية بدعوة من “تضامن” مجموعة الضباط المتقاعدين، لتضيف بعداً آخر لهذا الحراك. كما أن توجيه البرهان بعدم منع أي سوداني من استخراج أوراقه الثبوتية فُسّر كرسالة تطمين للمدنيين وقادة الأحزاب، وإشارة إلى استعداد محدود لفتح المجال العام، ولو في حدوده الدنيا
واشنطن والضغط الزمني
تصريحات وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، التي تحدث فيها عن مهلة عشرة أيام لتثبيت هدنة إنسانية، تمثل تحولاً نوعياً في النهج الأميركي. فواشنطن نادراً ما تضع سقفاً زمنياً معلناً دون مؤشرات على توافقات أولية
هذا الضغط الزمني يعكس شعوراً بأن استمرار الحرب بات مكلفاً دولياً، وأن نافذة الفرصة قد لا تبقى مفتوحة طويلاً. لكنه في الوقت نفسه يضع الأطراف السودانية أمام اختبار حقيقي: إما الاستجابة للضغوط، أو تحمل تبعات سياسية وقانونية متزايدة
سيناريوهات السودان في 2026
استناداً إلى هذه المعطيات، يمكن رسم ثلاثة سيناريوهات رئيسية
السيناريو الأول – الأكثر ترجيحاً نجاح الرباعية في فرض هدنة إنسانية مطلع 2026، تليها مفاوضات شاقة لوقف دائم لإطلاق النار. هذا السيناريو لا ينهي الحرب سريعاً، لكنه يمنع الانهيار الشامل ويعيد فتح المجال أمام السياسة
السيناريو الثاني – إدارة الأزمة
هدنة هشة ومتقطعة، تُستخدم لتخفيف الضغوط الإنسانية دون معالجة جذور الصراع، مع استمرار الاشتباكات في الأطراف، وبقاء السودان في حالة استنزاف طويلة
السيناريو الثالث – الأسوأ
فشل الضغوط الدولية بسبب تباين مواقف الحلفاء المحليين، ما يدفع الأطراف إلى فرض أمر واقع بالقوة، ويجعل سيناريو التقسيم الفعلي أو التفكك التدريجي احتمالاً قائماً
خاتمة
السودان في 2026 لن يكون كما كان قبل الحرب، أياً كان السيناريو. فالسؤال لم يعد فقط متى تنتهي الحرب، بل كيف، وعلى أي صورة للدولة. التفاهمات الإقليمية والدولية تبدو اليوم أكثر نضجاً، لكن نجاحها يظل رهناً بقدرة الفاعلين السودانيين على تقديم تنازلات مؤلمة، والاعتراف بأن استمرار الحرب لم يعد خياراً قابلاً للاستدامة
بين هدنة محتملة وانقسام مقلق، يقف السودان أمام عام مفصلي، ستتحدد فيه ملامح الدولة، أو ما تبقى منها، لسنوات طويلة قادمة