المؤتمر الوطني: أزمة سودانية أم مخرجًا من الأزمة لتسويات تاريخية؟

وئام كمال الدين
صحيح ان جذور الأزمة السودانية تعود إلى الصراعات القبلية والجهوية والاقتصادية بدأت منذ الحقبة الاستعمارية البريطانية. بعد استقلال السودان عام 1956، مما أدى إلى حروب أهلية متعددة. إلا أن المؤتمر الوطني خلق أزمة جديدة عام 1989 عندما إستولى على السلطة عبر انقلاب عسكري بقيادة عمر البشير.
إذ لم يتورع هذا النظام في استخدام خطاب الكراهية لتأجيج الصراعات القبلية وتعميق وتغذية جذور الأزمة التاريخية خلال ثلاثين عاماً من حكمه . سمح فيها بتفريخ مليشيا الدعم السريع ووضع قوانين لشرعنتها، مما أدى إلى خلق قوة مسلحة خارج إطار الجيش الوطني كما استمر خلال فترة حكمه وبعد سقوطه في شرعنة ودمج كتائب الظل في مفاصل الدولة، والتي شكلت مهدداً دائما للاستقرار والأمن الوطني.
ولا يخفى على القارىء ما مساهمات سياسات المؤتمر الوطني في اندلاع حرب 15 أبريل 2023، التي أضافت أزمة جديدة إلى الأزمات التاريخية. فقد أتى الشعب السوداني بثورة ديسمبر المجيدة ضد المؤتمر الوطني، في 19 ديسمبر 2018 واستمرت حتى الإطاحة بالرئيس عمر البشير في 11 أبريل 2019. وقد كانت الثورة ردًا على تدهور الأوضاع الاقتصادية وغلاء المعيشة وتفشي الفساد الحكومي وعلى جرائم الحزب الممنهجة و الموثقة والتي أدخلت البلاد في متاهات وحروب وحظر اقتصادي وعزل دولي عانى منها الشعب سنينا عددا.
وقد حاول النظام البائد قمع الثورة بالعنف وأذى نتح عنه استشهاد الكثير من شباب وشابات الوطن وهم رمز للتضحية من أجل التغيير. ثم مهد للانقلاب بعد سقوطه وأشعل الحرب منعاً للاتفاق الإطاري ومحاولة منه للعودة للحكم دائساً على دماء الشهداء وعلى رغبة الشعب وإرادته.
والآن نعيش خسارات الحرب التي اندلعت في 15 أبريل 2023 والتي تسببت في مقتل الآلاف ونزوح الملايين، وتدمير البنية التحتية والاقتصاد علاوة على الانتهاكات والجرائم التي وقعت على المواطن الذي يدفع فاتورة كل هذه الخسارات في محاولة هذا النظام الرجوع للسلطة بالقوة.
ليظهر السؤال
لماذا لا نحاور المؤتمر الوطني في عملية السلام؟ أرى الإجابة يجب أن تستصحب معها عدة محاور وأسئلة فهو ليس سؤالا فقط عن عودة حزب تم إقصاؤه وإنما هو سؤال عن طبيعته وعن كيفية إقامة سلام عادل يوقف تاريخ الحروب في السودان يقود إلى انتقال ديمقراطي وتداول سلمي للسلطة مبني على عملية سلام عادل تحقق عدالة انتقالية وتحقق شعارات ثورة الشعب الديسمبرية المجيدة من الحرية والسلام والعدالة :
– فهل نتجاوز جرائم المؤتمر الوطني ونقوم بمكافئته؟ الحزب أشعل الحرب في دارفور وقمع الاحتجاجات السلمية وأشعل حرب 15 أبريل. فعل نكافئه لاخماد حرب اقامها متخاوزين التحقيق في جرائم هذه الحرب… هل يعود بعد عملية السلام كجزء من العملية السياسية وهو مثقف بدماء الشهداء واهات المغتصبات وصرخات المنتهكين ودموع الثكالى والأرامل جراء الحرب التي اشعلها ؟؟؟
وماذا عن طبيعة الحزب- هل نحاور حزبًا أم حركة مسلحة؟ فقد تجاوز الحزب حدوده وأصبح حركة مسلحة ومليشيا مهيمنة على الجيش وعلي مفاصل الدولة وبالاخص الأمنية والعسكرية يقتل الثوار بدعوى التعاون ويخون القوى المدنية ويتهمها بالعمالة ؟؟
– ماذا عن رموز الحزب المطلوبة للعدالة (وفي إطار تحقيق العدالة) والحزب مسؤول عن جرائم حرب وتقويض النظام الدستوري فكيف سيتم التعامل معه
– وماذا عن إرادة الشغل ثورة ديسمبر المجيدة أطاحت بالحزب، والتفاوض معه يُعتبر تجاهلًا لإرادة الشعب فهل يجب ان تجعله الحرب التي أشعلها يعود للعملية السياسية ضد رغبة الشغب..
وماذا عن المراجعات؟؟ إذ ان هناك أحزاباً إسلامية تم قبولها كجزء من القوى الإنتقالية قبل الحرب بناء على عدة شروط لم يستوفها المؤتمر الوطني- فالحزب لم يقدم مراجعات حقيقية، ويرفض تسليم المطلوبين للعدالة فاي سلام عادل يمكن أن يشمله كجزء منه وكيف؟؟
– هل يثق المجتمع المحلي والمدني والقوى السياسية والمجتمع الدولي بالحزب الذي يطلب العالم بتصنيفه كمنظمة إرهابية بالحزب خالف اتفاقيات السلام سابقة وإلتف على غيرها ، وساهم في تقسيم السودان.
ماهي الضمانات هل يقبل الحزب بأن تشمل تسليم المطلوبين للعدالة، وإصلاحاته ومراجعاته وخروجه من مفاصل الدولة؟؟؟هل يتخلى عن العينة على المؤسسات الأمنية والغسكرية.
، الأزمة السودانية معقدة لها جذور تاريخيه والمؤتمر الوطني وأعوانه أزمة أخرى تغذي جذور الأزمة التاريخية وتصنع أزمات معاصرة وتمهد لأزمات مستقبلية ، والحل لهذة الازمات يجب أن يكون شاملًا وأن يعالج جذور الأزمة، ويضمن عدم تكرارها مع التركيز على العدالة الانتقالية والمحاسبة عن الجرائم المركبة وليس مكافأة مرتكبيها….
السلام العادل في السودان مخرج من ظلمات الحرب ومسببيها ومشغليها من خطاب الكراهية ومثيري الفتن من قامعي الحريات ومقوضي الدستور إلى السلام والامن إلى التعايش السلمي والمحبة إلى دولة القانون والمواطنة وإلى الحرية والسلام والعدالة وهو ما لايتفق مع أبجديات الكيزان وهو ما يريده الشعب الثائر عليهم وهو ما يجب أن يسعى المدنيين إلى تحقيقه بالعمل والرؤى والأوراق ووحدة الصف وليس بالتمني…
إن الدعوة لتسوية تاريخية واجتماعية في السودان هي في الأصل دعوة صحيحة لكنها لا يجب أن تكون مدخلاً لغض النظر عن الجرائم ولا أرضية ترسخ لوجود اتجاهات وأفكار مجرمة ضد مستقبل البلاد لانسعى سوى للهيمنة والسلطة وفرض أفكارها بالقوة وتفكيك البلاد وإعادة إنتاج حروبها وتقسيمها.





