مارس الأبيض.. وأعياد المرأة

ندى أبو سن
ندى أبو سن

جميل أن يحتفي العالم بالمرأة، وأن يذكر دور النساء الذي ينهضن به منذ بداية الخلق، سواء على الصعيد الأسري أو ما يقدمنه للمجتمع من حولهن، أو ما قدمنه للبشرية من أعمال جليلة سجلها التاريخ الإنساني.

 غير أن هذا الاحتفاء يبقى لا  قيمة له في ظل الأوضاع السيئة والمعاناة التي تعيشها النساء حول العالم، خاصة في دول العالم الثالث، في ظل الفقر والجهل والحروب والقيم الاجتماعية التي تحد من دور المرأة، وتضعها في قوالب محددة لا تستطيع الخروج منها، وتقاليد تعيقها عن تقديم الأفضل لحياتها ومحيطها.

 وتستند هذه المجتمعات في حصارها الجائر للمرأة على فهم خاطئ للدين الإسلامي، الذي كرم المرأة أيما تكريم، ودعاها إلى طلب العلم والعمل أسوة بالرجل. وقد كان الصحابة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم يسألون السيدة عائشة رضي الله عنها فيما أشكل عليهم من أمور دينهم، وقال صلى الله عليه وسلم: “النساء شقائق الرجال”.

 ويُفهم من ذلك أنهن متساويات مع الرجال في الكرامة الإنسانية، أما الحقوق والواجبات فموزعة بحسب فطرة الله التي فطر كلاً من الرجال والنساء عليها لتتم عِمارة الأرض. وقد شاركت الصحابيات في الغزوات وفي حماية النبي وأصحابه في مراحل الدعوة المختلفة.

 غير أنه بمرور الوقت ومع انتشار الإسلام، تغيرت واختفت الكثير من القيم التي تحفظ حقوق النساء، خاصة بعد اختلاط القيم الإسلامية بما كان سائداً من قيم اجتماعية تحاصر المرأة في الحضارات المختلفة التي انتشر فيها الإسلام. إذ ظلت معظم هذه المجتمعات تخلط بين تقاليدها والدين الجديد، مما جعل النساء فيها يجهلن بحقوقهن الربانية، حيث ظلت هذه المجتمعات تنظر إلى النساء نظرة دونية، وتحملهن وحدهن عبء الحفاظ على الشرف، وهو المحور الذي يدور حوله هذا الحصار، في الوقت الذي يتساوى فيه الرجل والمرأة في العقوبة الدنيوية وفي الآخرة.

 وقد ظهر ذلك جلياً في حرب السودان هذه، باستهداف النساء ومحاولة كسرهن، وارتكاب جرائم الاغتصاب أمام أسرهن، وإجبار النساء في المناطق المحاصرة على تقديم أجسادهن مقابل الحصول على الغذاء، وجرائم الاختطاف للنساء وبيعهن كالجواري، وإجبارهن من قبل جنود الدعم السريع على العمل في الطهي وغيره من الأعمال دون مقابل مادي.

 حدث ذلك في القرن الحادي والعشرين، برغم وجود القوانين الدولية التي تحرم الإتجار بالبشر وتمنع الانتهاكات وتفرض عقوبات على جرائم الحرب. ولكن رغم ذلك، ظلت المرأة السودانية تناضل من أجل الحفاظ على نفسها وحماية أطفالها وتوفير احتياجات أسرتها المختلفة في ظل ظروف الحرب والنزوح القاسية والاستهداف الممنهج لها.

 كما ضربت المرأة السودانية مثالاً يحتذى به عالمياً إبان ثورة ديسمبر المجيدة، في الشجاعة والمبادرة في خروج المواكب والثبات أمام آلة القمع والاعتقال وما يترتب عليه من ممارسات وجرائم داخل المعتقلات.

 كما تميزت المرأة السودانية عبر التاريخ بالمقدرة الفائقة على التأقلم مع مختلف البيئات والظروف، والقدرة على الابتكار في كافة المجالات، والتميز في الأطعمة والعطور السودانية، وفي زيها الأنيق البسيط والمحترم الذي ينسجم مع المناخ وتعاليم الدين، وفي تدبير أمور بيتها.

 عانت المرأة السودانية خلال حروب السودان المتعددة وعلى مدى سنوات، ولم تجد من يمد لها يد العون أو تجد الدعم، مثلها مثل الكثيرات من نساء العالم الذي يبدو عاجزاً عن الإيفاء بالتزاماته تجاه النساء في مناطق النزاع، خاصة في ظل تعقيدات الصراعات واختلافها، وكذلك في ظل تعمد بعض الدول العمل على استمرار النزاعات حفاظاً على مصالحها.

 وفي ظني أن المرأة في العالم الغربي لا تختلف أوضاعها كثيراً عن نظيراتها في دول العالم الثالث، وربما هي الأسوأ، خاصة مع مناخ الحريات والانفتاح الذي أفقد المجتمعات الغربية القيم والأخلاق، وجعلها تعيش بعيداً عن الدين، وأضحت في بعض سلوكياتها أشبه بالحيوانات، حيث تعيش هذه المجتمعات في حالة من التفكك الأسري والانحلال الأخلاقي، وتمارس على النساء شكل من أشكال الاستعباد بجعلهن في قالب موحد في مظهرهن دون النظر إلى تغير مراحل حياة المرأة من مراهقة إلى شابة إلى أم تمر بفترات الحمل والرضاعة ويتغير مظهر جسدها تبعاً لذلك، ثم إلى سيدة مسنة، ورغم ذلك هن محاصرات ومطلوب منهن أن يكن في نفس الحجم والمظهر، حيث يستخدم جسد النساء كسلعة للعرض.

 وتنتشر في هذه المجتمعات الأمومة المبكرة، في وقت تنكر هذه المجتمعات الزواج المبكر في مجتمعاتنا وتعيب على نبينا صلى الله عليه وسلم زواجه من السيدة عائشة، بينما تبيح ممارسة الجنس لصغار السن ويسمى ذلك لديهم باكتساب التجربة.

 ويعمل الغربيون على تصدير قيمهم هذه إلى المجتمعات الأخرى بدعوى الحرية والمساواة، في وقت تتسارع فيه خطوات انهيار حضارتهم.

 بلا شك يسعدنا كنساء أن يحتفي بنا العالم، ولكن قبل الاحتفاء الظاهري هذا، نتمنى أن يتم تقييمنا نحن النساء كبشر، وأن ينظر إلى إنسانيتنا في المقام الأول لا إلى أجسادنا، وأن تتوقف ممارسة الابتزاز العاطفي على النساء، وأن يتوقف العنف الجنسي عليهن والحرمان من الأمان، وأن يتوقف التهميش والاضطهاد في العمل ضد النساء، وأن تنتهي الكثير من معاناة ومظالم المرأة.

 وأن يعود مارس العام القادم علينا كنساء وأمهات وقد حصلنا على الكثير من الحقوق، ويعود ونحن أكثر أماناً وجمالاً وإبداعاً، وأكثر قدرة على العطاء والحب.

ندى ابو سن

تخرجت من كلية الاعلام بجامعة الخرطوم التطبيقيه في علم ١٩٩٩ و عملت بصحيفة الصحافة السودانية في عام ٢٠٠٧ ككاتبه مقالات حره ثم عملت بصحيفة الحقيقة ككاتبة عمود اجتماعي بعنوان (ومضه) اتعاون الان مع عدد من الصحف الإلكترونية حيث اكتب مقالات سياسيه تحليلي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى