استعادة القصر.. تعديل ميدان المعركة!

* توشك القوات المسلحة والقوات المساندة لها على استكمال المرحلة الأولى من استراتيجيتها الهجومية، وبعد استردادها للقصر الجمهوري بكل دلالاته السيادية والسياسية، تكون قد وضعت يدها على قلب العاصمة الخرطوم، ومركزها، ولم يتبق لها سوى تحرير جنوب الخرطوم وبعض الجيوب المتبقية شرقها، وبعض مناطق غرب أم درمان، وهي آخر معاقل وجود قوات الدعم السريع بالعاصمة.
* هذا التطور يحمل أبعادًا سياسية وعسكرية:
-على المستوى السياسي كان حسم معارك الخرطوم مهمًا لجهة استرداد عاصمة البلاد، وإغلاق الباب أمام أي محاولة لإعلان الحكومة الموازية من داخل الخرطوم، ولإضعاف الأثر المترتب على هذه الخطوة نفسها.
-وعلى المستوى العسكري فإن توجيه ضربة مثل هذه مهمة، لجهة تحطيم الروح المعنوية لقادة وجنود الدعم السريع، بما يقود لانهيارها في المواجهات المتبقية على مستوى ولاية الخرطوم، وتمتد آثاره في مختلف جبهات الصراع العسكري، ويعزز من نقل مسرح العمليات العسكرية لمناطق نفوذ الدعم السريع وحلفائه.
* لقد كان لافتًا في خطاب قائد الدعم السريع في خطابه الأخير منتصف الشهر الجاري، هو تأكيده على بقائهم في القصر الجمهوري وكافة مواقعهم بالخرطوم، وهو أمر يطرح تساؤلات عديدة حول مدى متابعته و وإلمامه بالوضع الميداني، فقد كان تقدم القوات المسلحة ومسانديها واضحًا، وقد تزامن خطابه مع التحام لقوات المدرعات مع القيادة العامة، وزحف للقوات القادمة من سلاح المشاة، وكانت الكتابة واضحة على الجدران، أن قواته في طريقها لتكبد خسائر كبيرة، فكيف أطلق مثل هذه الأقوال في ظل الوضع الميداني المتردي لقواته، التي عزلت عن بعضها وأحكم الحصار حولها..؟!
* إن اكتمال المرحلة الأولى للاستراتيجية الهجومية للجيش سيتم في الأيام القادمة، باسترداد ما تبقى من مواقع ولاية الخرطوم ما زالت بأيدي عناصر الدعم السريع، وبعدها ستنتقل للمرحلة الثانية، وهي الطور الأكبر والأعنف في هذه الحرب، وهي نقل الحرب لمواقع سيطرة الدعم السريع بدارفور، وتخومها المحاذية بكردفان، فيما يتوقع أن تمتد العمليات العسكرية لولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، حيث يسيطر الجيش الشعبي الذي جمعه حلف عسكري وسياسي مؤخرًا بالدعم السريع عبر الميثاق والدستور التأسيسيين، وستكون أم المعارك هي شمال دارفور وشمال كردفان للسيطرة عليهما من قبل الدعم السريع ومسانديه، وفي المقابل سيعمل الجيش والقوى المساندة للحفاظ عليهما، وكسر عظم الدعم وحلفائه قبل انتقال المواجهة لولايات دارفور، وهي المعارك التي ستحدد مسار الحرب في الفترة القادمة.
* تجيد القوات المسلحة عبر استخباراتها لعبة إضعاف الأعداء عبر شق الصفوف واللعب على التناقضات، ومن ذلك الباب يمكن تصور ما يمكن أن تتخذه المواجهات من تعقيدات لهذه القوى في معاقلها، وتحديدًا للدعم السريع، الذي قاد هجومه الواسع واحتلاله لولايات دارفور، والانتهاكات الواسعة وجرائم الحرب التي تورطت فيها، لصناعة أعداء على الأرض من المكونات الرئيسية بدارفور، لن تجد أيدي الاستخبارات صعوبة في جذبهم والدفع بهم لصفوف المواجهات العسكرية القادمة، التي ستشهد تصعيدًا كبيرًا لتعديل وضعية السيطرة على الأرض قبل حلول فصل الخريف، الذي يؤدي لتباطؤ وتوقف العمليات الحربية.
* الدعم السريع والقوى المساندة له لن تقف مكتوفة الأيدي بدورها، لا سيما في ظل التصريحات المتكررة فيما يتعلق بالتسليح والتصدي للطيران، وفيما ستقاتل معاركها بكردفان ودارفور والنيل الأزرق، ستواصل استهدافها لمواقع الجيش وحلفائه وللمنشآت الحكومية والخدمية، في شمال ووسط وشرق السودان عبر المسيرات.
* كل هذه التطورات تقول شيئًا واحدًا، أن هذه الحرب سيطول أمدها، وستشهد تعقيدات سياسية تصعب من الوصول لحلول في المدى القريب، بعدما دخلتها أجندة سياسية جديدة عبر تحالف نيروبي، وبعدما تكاثرت المليشيات المقاتلة قبلية وحزبية وجهوية في الجهة المقابلة، وكل له دوافعه وأهدافه من الحرب.