القيادي في “صمود”، وزير شؤون الرئاسة في حكومة حمدوك السابقة، خالد عمر يوسف:
1-2
الحرب تتعمق يوميًا على عكس ما يحاول دعاتها الترويج والمواطن هو الخاسر الأكبر
الدور المصري للمساهمة في إنهاء الحرب مطلوب
ليس لدينا شكل تنظيمي يتحول إلى صنم يُعبد
وقعنا مع المؤتمر الشعبي والاتحادي الأصل على رؤية مشتركة قدمناها للاتحاد الأفريقي
المؤتمر الوطني العائق الأكبر أمام السلام
كلما استطال زمن الحرب كلما كان الوضع أكثر تعقيدا
صمود خطوة إلى الأمام لكنها ليست سدرة منتهانا
المؤتمر الوطني أشعل الحرب وأي محاولة لإيقافها عمل لتدميرها
نطالب بحظر شامل للسلاح يوقف النزيف كلياً
سودان المستقبل يجب أن تنتهي فيه مسألة تعدد الجيوش كليا
خطابنا متوازن تجاه كل الإقليم ونتواصل مع الجميع بأشكال مختلفة
قوى النظام البائد تريد أن تستخدم الحرب كسلم لتصفير العداد و العودة إلى ما قبل ديسمبر
دور القوى المدنية ليس مهاجمة دول الإقليم وإنما التواصل معها إيجابا
بينما تستمر دوامة الحرب في السودان لعامها الثاني، تتعمق المأساة الإنسانية يومًا بعد يوم. في هذا الحوار الخاص مع “أفق جديد”، يكشف خالد عمر يوسف، القيادي في “صمود”، وزير شؤون الرئاسة في حكومة حمدوك السابقة، في هذا الجزء من الحوار عن رؤيته للخروج من الحرب التي يقول إن “المواطن هو الخاسر الأكبر فيها. ويستعرض يوسف في هذا الحوار الشامل رؤيته لـ”سودان المستقبل” الذي يجب أن “تنتهي فيه مسألة تعدد الجيوش كليًا”، كما يشرح تقييمه للدور المصري الذي يصفه بـ”المطلوب” لإنهاء الحرب. هذا الحوار يأتي في وقت تشتد فيه المعاناة الإنسانية، بينما تتصاعد التساؤلات حول إمكانية وقف هذه الحرب التي حولت السودان إلى ساحة لصراعات إقليمية ودولية.
توسع في الجبهات، وتكنولوجيا جديدة في صراع قديم.. بدايةً، كيف تقرأ المشهد الحالي في السودان بعد عامين، وهل فات الأوان لإيقافش الحرب؟
الحرب الآن دخلت مرحلة جديدة وشكل جديد، لكن الثابت على مدار العامين السابقين أنه من الصعوبة بمكان حلها عسكريًا، والضحية الرئيسية لتلك الحرب هي المواطنين. منذ بداية الحرب ذاق السودانيين مختلف أنواع العذاب من قتل وتشريد وضنك في العيش ولجوء ونزوح وغيرها من المعاناة والجرائم الجنسية ضد النساء، وعلى كل حال الخاسر الأكبر هو المواطن. أيضًا الثابت في الحرب أنها تدمر في السودان الذي يعاني تحديات اقتصادية وتنموية، الآن تفاقمت بفعل الحرب التي دمرت البنية التحتية واهدرت مواردها. فعليًا الآن على عكس ما حاول دعاة الحرب الترويج أن الحرب تقترب من نهايتها، لكنها تتعمق يوميًا لأسباب واضحة أولها الانقسام الداخلي العميق بين السودانيين أنفسهم، والانقسام هذا هو البوابة لدخول أي دور خارجي، والانقسام الداخلي بدأ في أخذ أبعاد جهوية وأثنية وتصاعد في خطاب الكراهية وهذا سيشكل خطرا على مستقبل السودان، لذلك نحن نعتقد أنه لم يفت الأوان حتى الآن لعكس الاتجاه صوب صوت العقل والحكمة، وأن يختار السودانيين الجلوس إلى بعضهم البعض لإيجاد مخرج لوقف نزيف الدماء.
أدوار إقليمية متباينة وحضور خارجي كبير في الخارطة السودانية، مع رغبة مصرية في طاولة انعقاد جديدة.. كيف تقيمون دعوة القاهرة للالتئام وما مدى تفاؤلكم بها؟
مصر دولة مهمة وعلاقتها مع السودان عميقة واستراتيجية والدور المصري للمساهمة في إنهاء الحرب مطلوب، لذلك من هذا المدخل ظللنا منفتحين وإيجابيين في تعاطينا مع مصر، واجتماع القاهرة الأول بالفعل كان واحدة من المحاولات القليلة التي نجحت في جمع شتات مجموعات سودانية مدنية مختلفة ومتباينة في الرأي، نحن شاركنا وساهمنا إيجابا في إنجاحه، بالتالي أي دور لأشقائنا في مصر للمساهمة في إيقاف الحرب سيجد ترحيب من قبلنا. نحن نعتقد أن الحل في الأساس هو سوداني ويتطلب إرادة من السودانيين أنفسهم ويتطلب ملكية منهم لعملية الحوار، والدور الإقليمي والدولي هو دور مساعد، وبالتالي أي دور مساعد في اتجاه إيجابي سيكون محل تقديرنا.
أين وصلت خطواتكم العملية وجهود تكوين الجبهة المدنية الموحدة؟
منذ بداية الحرب نحن وضعنا أولوية لمسألة تجميع الصف المدني المناهض للحرب، واضعين في الاعتبار أنها مهمة غير سهلة لإنهاء الحرب والتي طبيعتها تقسيم المجتمعات وزيادة الشقة بينها، ومع استمرار الحرب الناس تتخذ مواقف منحازة لأي طرف من أطراف الحرب لأسباب عديدة منها الأثر المباشر على حياة الناس، لذلك موضوع تجميع الجبهة المدنية صعوبته الرئيسية كأنك ما تسبح عكس التيار، وهو تيار جارف لتقسيم البلاد وتقسيم الناس بين القوتين المسلحتين، لذلك أنت تقاوم في ذلك التيار لخلق منصة أو رؤية تجمع أكبر قطاع من المدنيين ضد الحرب نفسها، ومن التحديات التي واجهت الناس أن تلك الحرب أن القوى الرئيسية فيها هي قوى النظام البائد التي تريد أن تستخدم الحرب كسلم لتصفير العداد و العودة إلى ما قبل عهد ثورة ديسمبر، وتلك القوى استخدمت آلية الكذب والتضليل ونشر المعلومات المغلوطة للتشويش على الناس حول مجهود القوى المناهضة للحرب، لكن رغم كل تلك التحديات أنا أعتقد أن مجهودات تجميع الجبهة المدنية حصل حولها خطوات إلى الأمام عكس الاتجاه الآخر. عندما ترى تكوين تحالف “صمود” الآن تجدها أكثر اتساعا من تحالف الحرية والتغيير التي كانت تضم مجموعات مهنية وحزبية وسياسية، “صمود” الآن تضم مجموعات ومهنية أوسع من المجموعات المهنية التي كانت موجودة في “الحرية والتغيير”، وتضم مجموعات في المجتمع المدني أوسع من المجموعات المهنية التي كانت موجودة في الحرية والتغيير وتضم لجان المقاومة التي كانت مفقودة في التحالفات السياسية السابقة. بالتالي صمود هي خطوة إلى الأمام ولكن ليست سدرة منتهانا، ونعتقد أنه في المجال المدني المناهض للحرب توجد قوى أخرى اختارت مواقف مختلفة غير تحالف “صمود”، ونحن وجهتنا أصلا غاية في المرونة ولا نعتقد إمكانية توحيد كل الناس تحت مظلة واحدة، لذلك هناك ثلاثة أشكال للعمل بين القوى المدنية الديمقراطية المناهضة للحرب، الشكل الأول هو شكل التحالف مع بعضنا البعض تحت مظلة واحدة، والشكل الثاني هي شكل التنسيق في بعض القضايا، والشكل الثالث هو شكل التكامل، وحتى إذا الناس لم تتفق وترغب في العمل تحت منصة واحدة ممكن كل جهة تعمل من خلال منصتها المستقلة والاتجاه نحو ذات الهدف بدون حدوث تشويش حول الأولويات وهي التباين في الرؤى لبعض المدنيين أم الأولوية لوقف الحرب، من هذا المنطلق المرن نحن نتحرك في ثلاثة مسارات جادة لتوسيع قاعدة التفاهمات المدنية حول إيجاد رؤية لوقف الحرب، وهذا لا ينسينا وجود مدنيين أخذوا مواقف مع الجيش أو مع الدعم السريع، نعتقد أن هناك مسار وهو مسار المائدة المستديرة لإيجاد حوار للاتفاق حول أسس ومبادئ إنهاء الحرب. العائق الأساسي حقيقة للوصول إلى السلام هو حزب المؤتمر الوطني الذي يريد استخدام الحرب لإعادة سلطته على السودان وهو الجهة الرئيسية المستفيدة من إطالة أمد الحرب. لذلك كل القوى الراغبة في السلام لا بد أن تواجه مخططات النظام البائد التي تحاول إطالة أمد الحرب وتقسيم السودان وهو خط مدمر لمستقبل السودان.
على عكس وجهتكم ورغبتكم في تشكيل كتلة مدنية مناوئة للحرب، يقرأ البعض في أشكال تحالفاتكم كما لو أنها ردة عن الكيان المدني الكبير، وصمود ربما كانت تمثل الطور الأخير في تضعضع الكيان الموحد.. منذ انقسام الحرية والتغيير وخروج الشيوعي والبعث وغيرهم، مرورا بانقسامات تقدم والآن صمود كحلقة أخيرة..
صحيح هناك بعض القوى كانت موجودة داخل تحالف “الحرية والتغيير” ومؤسسة لها وأساسية كحزب البعث الأصل والحزب الشيوعي وهي الآن خارج تحالف “صمود”، لكن كما ذكرت هناك مجموعات مؤثرة ومهمة وفاعلة ومؤثرة ليست جزء من “الحرية والتغيير” وهي الآن جزء من “صمود” مثل لجان المقاومة والنقابات والمهنيين ومجموعات رئيسية في المجتمع المدني، بالتالي المكونات في “صمود” أكثر تنوعا لأنها تشمل مجموعات مميزة ونوعية لم تكن جزء من “الحرية والتغيير” وأيضا الفئات النوعية وعلى رأسها مجموعة “تضامن” التي تضم أكثر من 1500 من العسكريين المتقاعدين ومجموعات المزارعين وأصحاب الأعمال وهي كل مجموعات ليست ضمن التكوين القديم للحرية والتغيير وهي الآن ضمن تحالف “صمود” في الموقف المناهض للحرب. كما ان هنالك خطوات مهمة تمت في العمل من أجل توسيع وبناء الجبهة المدنية مع قوى رئيسية مثل حركة تحرير السودان – قيادة عبد الواحد وحزب البعث الأصل. ليس لدينا شكل تنظيمي يتحول إلى صنم يُعبد، كل الصيغ مرنة ومنفتحة، اليوم “صمود” وغدا شيء آخر، المهم المضي قدما في توسيع الجبهة المدنية أو شكل تنظيمي من الأشكال التنظيمية الأخرى طالما اتفقنا على الآليات. في هذا السياق لدينا صيغ مختلفة من العمل والاتفاق والتنسيق حول رؤى محددة ومن ضمن الصيغ هذه بكل تأكيد هي صيغ العمل. والتواصل مع المؤتمر الشعبي لم ينقطع منذ بداية الحرب وفي اجتماع الاتحاد الأفريقي في شهر أغسطس الماضي شاركنا مع بعض البعض وتقدمنا نحن “تقدم” مع المؤتمر الشعبي والاتحادي الأصل برؤية مشتركة للاتحاد الأفريقي وقعنا عليها سويا، بالتالي هناك اتفاق حول الرؤية لتصميم العملية السياسية.
هل تتسع رؤيتكم للجبهة الموحدة لاستيعاب الإسلاميين؟
نحن نفرق بين الإسلاميين وبين المؤتمر الوطني، الأخير لا يعبر عن جميع الإسلاميين، هناك مجموعات من الإسلاميين مناهضة للحرب، وليس لديها مصلحة إطلاقا في استمرارها وبكل تأكيد مكانها الأصيل تعمل جنبا إلى جنب مع بقية القوى المدية التي تسعى لإيقاف الحرب، لكن المؤتمر الوطني أشعل الحرب، ولم يكتفي بذلك وأي محاولة لإيقافها عمل لتدميرها باعترافهم وألسنتهم صرحوا بذلك، كما صرحوا بأن محاولة للحل ستدمر. المجموعة الأكثر نشاطا ليس شرطها إيجاد حوار لإيقاف الحرب، بل لا تريد حوارا مع الإسلاميين الآخرين واصدروا بيانا حول ذلك، بالتالي المؤتمر الوطني هو عائق أساسي أمام الوصول لإنهاء الحرب ومواجهته، والمنطلق الأساسي هو كيفية أن يتغلب الناس على هذا العائق للوصول إلى إيقاف الحرب، لذلك مواجهتهم وتحميلهم مسؤولية الحرب وعزلهم وفضح دورهم ميسر للوصول لإنهاء الحرب وهذا هو موقفنا تجاههم، ولا نعتقد أن الحوار مع المؤتمر الوطني هو الذي ينهي الحرب، ونعتقد أن مواجهتهم سياسياً هي التي ستنهي الحرب. أو هناك شيئين مختلفين وهي وقف الحرب وإنهاء الحرب، أولا هناك حاجة عاجلة لوقف النزيف الحالي لأنه في كل يوم تستمر الحرب هناك خسارة في الأرواح والممتلكات، والآن السودانيين مشردين في منافي اللجوء والنزوح المختلفة وتزداد الضغوط عليهم باستمرار الزمن. أيضا البنية التحتية للبلاد عرضة للتدمير باستمرار الحرب، ولا يمكن إعمار ما دمرته الحرب طالما الحرب مستمرة. وقف نزيف الحرب ووقف إطلاق النار لازم لعودة الناس إلى منازلها، وتوصيل المساعدات الإنسانية والإغاثة وإعادة إعمار ما دمرته الحرب. وقف الحرب لن يكتمل أو يستوي إلا برؤية لإنهاء الحرب ونحن أولينا ذلك اهتمام كبير بالأوراق التي اعددناها في قضايا مختلفة متعلقة بكيفية الوصول إلى سلام مستدام سواء كان في مسألة الحكم الفيدرالي والإصلاح الأمني والعسكري والعدالة الانتقالية، لأننا نعتقد أن إنهاء الحرب والوصول إلى سلام مستدام لا يعني الرجوع إلى الماضي لأن الإشكالية التي كانت موجودة سابقا هي التي قادتنا أصلا إلى الحرب الموجودة حاليا، ولا التعايش مع الحاضر لأنه بشع، نحن نتحدث إلى التطلع نحو المستقبل وبناء مستقبل جديد للسودانيين لمعالجة أخطاء الحاضر والماضي لبناء سلام مستدام، والحرب الحالية تكون آخر حروب السودان.
كيف يختلف السودان اليوم عما قبل الحرب، ربما كنا على دراية بالجروح التي خلفتها هذه الحرب، لكننا بصدد التساؤل حول المستقبل؟
السودان الآن مختلف تماما عن السودان ما قبل الحرب؛ صحيح الحرب خلفّت جروح وآثار عميقة في جسده والإشكاليات والأخطاء التي كانت موجودة قبل اندلاع الحرب هي التي قادت لقيام الحرب نفسها. إذا أخذنا قضية واحدة فقط مثل قضية تعدد الجيوش في السودان هي قضية موروثة من النظام السابق، وهؤلاء لم يراعوا في السودان إلا ولا ذمة دمروا المؤسسة العسكرية واخترقوها وخلقوا لها جيوش موازية، والوضع الشائه الذي خلفوه في المؤسسة العسكرية والأمنية كان واحد من الأسباب التي قادت لاشتعال الحرب في السودان. سودان المستقبل يجب أن تنتهي فيه مسألة تعدد الجيوش كليا، لا بد من بناء جيش واحد مهني قومي ولا يمكن التعايش مع وضعية تعدد الجيوش. إذا كانت وضعية تعدد الجيوش واحدة من الأسباب التي قادت إلى اندلاع الحرب فإن استمرارها يضاعف من الجيوش ويجعل المشكلة أكثر تعقيدا، بالتالي كلما استطال زمن الحرب كلما كان الوضع أكثر تعقيدا لكننا نعتقد أن السودانيين بدلا من الغرق في البكاء على أطلال الماضي أو الاستغراق في قضايا الحاضر أن يسعوا في تطوير مستقبل أفضل والمساهمة في تطوير رؤاه عن طريق الحوار وليس البنادق.
يأخذ البعض على مقاربة الحياد التي تقولون بها كما لو أنها واقعا يخفي تحته انتماء لصف ما.. نتساءل حول الاتهامات للقوى المدنية بانحيازها لأحد طرفي الصراع، كيف يمكن الحفاظ على استقلالية العمل المدني؟
جزء من المكونات الداعمة للجيش هي كانت جزء من الحلف المدني الموسع، وجزء من المكونات الداعمة لقوات الدعم السريع كانت جزء من الحلف المدني الموسع، ونحن تباينا مع الجهتين نعتقد أن انحياز القوى المدنية لأي من طرفي القتال يزيد من الاستقطاب ويطيل أمد الحرب، لذلك دعوانا المستمرة للقوى المدنية يجب أن تحافظ على استقلاليتها من الطرفين المتقاتلين ومن موقعها المستقل عليها أن تطرح رؤية للتواصل مع الطرفين المتقاتلين، لكن لدينا مع تلك القوى في هذا الجانب أو ذاك علاقات وحوارات قديمة و نقاشنا معهم غير منقطعة إطلاقا لذلك طرحنا موضوع المائدة المستديرة لجمع القوى الديمقراطية غير المنحازة لأي من الطرفين مع القوى المنخرطة في معسكر الجيش والقوى التي في معسكر الدعم السريع عدا المؤتمر الوطني لوضع أسس ومبادئ إنهاء الحرب، وإذا اجتمعت تلك القوى حول رؤية لإنهاء الحرب وطرحتها لاحقا على الطرفين المتقاتلين من الممكن أن تشكل أساسا جيدا للوصول إلى وقف إطلاق نار وحل سياسي يقود إلى السلام المستدام.
ما هي الرؤية العملية لوقف الحرب، ما المقاربة التي تعتمدونها كصيغة للخلاص؟
منذ بداية الحرب لدينا تصور واضح لإيقافها، وأداة وقف الحرب هي الوصول إلى حل تفاوضي، الوصول إلى التفاوض نفسه يتم عبر العمل على ثلاثة مسارات الأول هو المسار المدني وكيفية تجميع أوسع جبهة مدنية مناهضة للحرب لأنه يؤدي إلى زيادة الضغوط على طرفي الحرب ونزع المشروعية عن الحرب نفسها وإنتاج رؤية سودان المستقبل. المسار الثاني هو التواصل مع المجتمع الإقليمي والدولي وهي مسألة حذرنا منها مع اندلاع الحرب، لأنه بداهة أي دولة تنشب فيها حرب داخلية بين مكوناتها ستفتح الباب لزيادة التدخلات الخارجية من باب المصالح أو المخاوف، وفي كرة تجذب قلق طرف ما بالتالي يفتح باب التدخل الذي يعقد المسألة أكثر، وهناك استقطاب دولي كبير، وطرفي القتال أقرب إلى أطراف إقليمية معينة وفي حالة قطيعة كاملة مع أطراف إقليمية أخرى. القوى المدنية غير المنحازة للطرفين وضعها يجعلها تتواصل مع كافة الأطراف الإقليمية والدولية لأنها غير منحازة لأي طرف عبر حوار يخاطب المخاوف لإنجاز مشروع سلام سوداني لصالح السودانيين ولصالح القوى الإقليمية. المسار الثالث هو التواصل مع طرفي القتال وهو مستمر ولم ينقطع إطلاقا، طرفي القتال نحن باستمرار سنظل ندين انتهاكاتهم وجرائهم ورغبة أي منهما في استمرار الحرب وتوظيفها للعودة للسلطة، والمسارات المفتوحة معهم هي حول شيء واحد فقط تتمثل في كيفية وقف الحرب وهو حوار يتقدم مع طرف ويتراجع مع الآخر لكن سنظل سنواصل في هذا المسار لإيقاف الحرب وعودة طرفي الحرب لطاولة التفاوض، ولا ينبغي لنا كسودانيين انتظار المجتمع الدولي في مسألة التفاوض، ولا بد من جهد سوداني للتفاوض وهو ما نعمل عليه.
تعاملكم مع الأطراف الإقليمية يلمح البعض فيه انحيازا لوجهة حربية دون الأخرى؟
خطابنا متوازن تجاه كل الإقليم ودائما في اتجاه حثه نحو وقف الحرب، لكن أنشطتنا شملت التواصل مع الجميع بأشكال مختلفة “الحرية والتغيير” قامت بزيارة إلى دولة قطر وقابلت رئيس الوزراء القطري وعقدت فعالية هنا. “تقدم” قامت بزيارة إلى مصر بقيادة د. عبد الله حمدوك وقابلت القيادة المصرية. “تقدم” ساهمت مساهمة إيجابية في إنجاح اجتماع القاهرة وكانت من أكثر الأطراف التي ساهمت إيجابا. “تقدم” عقدت مؤتمرها في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا وعلاقتها جيدة للغاية مع الأشقاء الإثيوبيين وعقدت عددا من الأنشطة في كينيا وأوغندا، ونفذت زيارات مختلفة سواء كان في الغرب في أوروبا وفي بريطانيا وفرنسا وألمانيا وغيرها. وفي أفريقيا كذلك رئيس الوزراء السابق د. عبد الله حمدوك زار دولة جنوب أفريقيا والتقى الرئيس هناك، لدينا تواصل مع السعودية والإمارات، بالتالي تجد أنه سواء بالتواصل المباشر أو بالزيارات أو المشاركة في الفعاليات نحن فعليا الجهة التي ليس لديها انحياز لطرف إقليمي، إنما منحازة فقط للشعب السوداني، وتستخدم تواصلها مع كل الأطراف لتوظيفها لهدف واحد فقط وهو وقف الحرب.
قيادة صمود موجودة في الإمارات و..
أغلبية قيادات “صمود” موجودة في مصر، وهناك وجود كبير في أوغندا، وأثيوبيا والسعودية والإمارات وقطر لأسباب وظروف مختلفة، لذلك “صمود” ليست منحازة لأي طرف من الأطراف في الإقليم، وبالعكس هي إيجابية تجاه كل الإقليم، وتعتقد أن الوصول إلى سلام دائم في السودان يتطلب التواصل مع كل الإقليم وعدم الدخول في أي علاقة عدائية مع أي طرف من الأطراف وكل تلك الأطراف لديها ما يمكن أن تقدمه من دور إيجابي لإنهاء الحرب وهو المنطلق الذي جعلنا في تواصل مع الكل.
تقارير دولية صحفية وأممية عديدة تتهم أبو ظبي بتغذية الصراع، استراتيجيتكم في التعامل مع تدفق الأسلحة إلى أطراف النزاع تغض الطرف عن هذه التقارير..
لو استعرضنا التقارير التي أشارت إلى السلاح الذي يصل إلى السودان فهي دائما ما تغطي السلاح الذي يصل إلى الجيش من دول بعينها والسلاح الذي يصل إلى الدعم السريع من دول بعينها. هل هاجمنا دول تدعم جهة ما، وسكتنا عن دول تدعم الجهة الأخرى. نحن نرى أن دور القوى المدنية ليس في مهاجمة دول الإقليم وإنما التواصل معها إيجابا ما يؤدي إلى وقف الحرب، وفي تقديرنا سواء الهجوم المتواصل من قيادة الجيش على بعض الدول أو الهجوم المتواصل من قيادة الدعم السريع على بعض الدول، نعتقد أن هذا المنهج مضر وليس مفيد، والمنهج سوى تعقيد الأزمة في السودان لن يفيد في شيء، الصحيح ابتدار حوار بين السودانيين أنفسهم وتحديد رؤيتهم لوقف الحرب، ثانيا حوار بين السودانيين والإقليم ودول الجوار للوصول إلى صيغة سلام. من يتحدثون عن ذلك يوجهون سهام الهجوم على جهات بعينها ويصمتون تماما عن الجهات الأخرى، ونعتقد أن المنهج غير المتوازن ليس في موقف أخلاقي يسمح له بالهجوم على الموقف المتوازن، وعندما تهاجم طرفا واحدا باستمرار وتصمت عن أطراف أخرى فإن هذا لن يرمي إلى وقف الحرب وإنما يرمي لانتصار طرف على طرف آخر، ونحن موقفنا مع وقف الحرب ونتواصل إيجابا مع كافة الأطراف الإقليمية لكن خطابنا واضح في مسألة ضرورة حظر السلاح عن السودان، وهو حديث ذكرناه في بياناتنا ومذكرات معلنة بصدور قرار بحظر وتوريد السلاح للسودان وتجفيف موارد دعم الأطراف المتقاتلة بالكامل. لأنه إذا كان هناك سلاح يصل لأي طرف من الأطراف فإنه يغذي الحرب لذلك طالبنا مجلس الأمن الدولي عبر مذكرة قبل جلسة تقديم مشروع القرار البريطاني بتوسيع حظر السلاح ليشمل كل السودان بقرار من مجلس الأمن، وتوسيع دائرة ولاية المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في كل الجرائم بالسودان وتقديم المجرمين إلى سوح العدالة الدولية. عندما يطالب شخص ما بحظر السلاح عن طرف والسماح بتوريده لطرف آخر فهذا يعني أنه لا يريد وقف الحرب بل يريد الانتصار للطرف الذي يؤيده، ونحن نعتقد أن انتصار طرف على الآخر غير ممكن مهما استمرت الحرب لذا نطالب بحظر شامل للسلاح يوقف النزيف كلياً ولا يطيل أمد القتال. حتى في الحروب السابقة بالسودان، في وقت من الأوقات الجيش الشعبي الذي يتخذ من جنوب السودان قاعدة لانطلاقته وكان يسيطر على أغلبية جنوب السودان، وحدثت متغيرات إقليمية ودولية وانحصر في مناطق حدودية محدودة، وحدثت متغيرات إقليمية ودولية أخرى وانتشر مرة أخرى، بذات الطريقة طالما الحرب مستمرة ستحدث متغيرات إقليمية ودولية ستحول كفة دعم الإقليم والمجتمع الدولي لأي من الطرفين وستكون دوامة مستمرة لن تنتهي، لذلك نعتقد أن المنهج الأوفق هو تجفيف الموارد بصورة كلية، وعدم السماح لأي طرف من الأطراف استيراد السلاح والضغط عليهم للجلوس للتفاوض، طالما نسعى لوقف الحرب من المؤكد سنطالب بذلك الشيء، ولن نحظر على الآخرين الذين يعتقدون بحسم الحرب عسكريا للمطالبة بحظر السلاح على الجهة اليت يعادونها والسماح بتوريد السلاح للجهة التي يناصرونها، لكننا نختلف معهم حول المنهج لأننا نعتبره يزيد من معاناة الناس.
شمعة في نفق الحرب المظلم
فازت غرف الطوارئ بجائزة أوروبية مرموقة.. كيف تقيمون جهود المنظمات المدنية في تخفيف معاناة السودانيين؟
فوز غرف الطوارئ بجائزة الاتحاد الأوروبي هو تكريم لجهة سدت فراغا كبيرا للسودانيين، كما أن الفرق الطوعية التي عملت في الحقل الصحي مثل “سابا” والمنظمات الأخرى التي وثقت الجرائم المرتكبة بحق السودانيين والمبادرات المهتمة بأوضاع اللاجئين، كلها مبادرات أوضحت إلى أي مدى أن الشعب السوداني قوي وقادر على الاستجابة في أصعب الظروف وابتداع أشكال وصيغ مختلفة. التكريم إشارة قوية للغاية لكل السودانيين بالقدرة على ابتداع الإشراقات التي تأتي من القطاع المدني العريض للتعامل مع الوضع الصعب الحالي.