رسائل للأحباب

إلى نمارق محيي الدين

هذه الرسالة هي رقم 4 من سلسلة رسائل للأحباب التي انتوينا من خلالها أن نعيد سنة تبادل الرسائل التي أصبحت أثرًا بعد عين بعد أن سادت لأزمان، وكانت قطعًا من التاريخ الاجتماعي لتلك الحقب.

 

“سيدتي، العزيزة نمارق تحية تغشاك وعين الله ترعاك، واعلمي إنه في البدء كانت الكلمة.. والكلمة شرف الإنسان وزاده.. وقد قالها الشاعر النحرير إسماعيل حسن، وتغني بها عملاق الصوت والتطريب، عثمان مصطفى:

الكليمة الطيبة منك زادي

وحياتك لباكر والأمل فارد جناحه

في بحور ماليها آخر

 ثم بعد، وأولاً بالتوبادي، نغريكِ السلام التام، بالقلم العلّام، ولكِ كل الود لا ينقص منه مثقال ذرة، ومنانا الشديد أن يصلك مكتوبنا هذا الذي نحسب أنه مكتوب بماءِ الذهب، قبل أن يُطوى في سجلّ الدهر كي لا يذبل! حين كتبتِ تسأليني عن كيف كانت طرق الرسائل في أيامنا، لا سيما الرسائل الغرامية، فالسؤال يا نمارق نتيجة الدهشة والدهشة أس الفلسفة..

 والرسالة كما يقول أهلنا نصف المشاهدة، أما عن كيف كنا نكتب الرسائل فأعلمي أنه في أيام الصبا وريعان الشباب، فقد كنا نغوص في بحور الكلمات، ولم تكن بالصعوبه لأن الزمن كان زمن رسائل، ونتوه في البحث علّنا نصطاد منها الأصداف واللآلئ، لننمّقها ونرسلها حروفًا تسبق الريح عطرًا ورياحين، وتسبق القلوب قبل العقول وصولًا. ولا يعني هذا أننا كنا فقط أصحاب رسائل غرامية، فقد شملت مراسلاتنا الرسائل العائلية من الداخل والخارج، أما الرسائل الإخوانية فهي كُثر. ولنا فيها نصيب، نَرسل ويُرسل إلينا ولا تتعدى حدود المودة الأخوية ونية التواصل.. ثم بعد الشكر والعرفان، فقد وصلتنا رسالتك القصيرة عبر أحد الوسائط، فأحيت في نفسي ذكرى تلك “الرزنامة” في ذلك الزمن البعيد، التي كاد النسيان أن يطويها، وكأنكِ أرسلتِ إليّ زمنًا كان أرقى.. وها هي قد استيقظت الحروف بيننا من سباتها، وعاد ذاك الورق ذو الألوان البنفسجية، الذي كانت الصبايا يحتفظن به في دهاليز أسرارهن، ينبض بالحنين. أيا عزيزتي، أليس في الأمر عجب؟ أن يصبح الودّ نقرة إصبع، وأن تذوب حلو المشاعر في بحور هذا العالم الإلكتروني! نعم يا نمارق، عجيب أمر هذه السنة الدنيوية، كلما ظنناها انقضت، عادت إلينا بثوب جديد، لتذكّرنا أن الدولاب يدور، لكن الحب — إذا صفا — يبقى محورًا لا يصدأ. يذكرني هذا بقول خليل فرح:

(القلوب إن حبت مستحيل تتكبر)

عزيزتي نمارق، دعيني أعترف أنكِ أحييتِ في روحي رونق التراسل وأذكيت في النفس نار الوصل، فضجت فيها عويل الذكريات، اقول أهلاً بعهد الرسائل، وبلقاء الأرواح قبل الأقلام، أما هديتكِ (رحيق الكلمات) فهي التي جعلتني أقول: “ما أجمل أن يُعيد القلم للورق روحه، ويُعيد الإنسان للإنسان وَجده!”. دمتِ لكل من تُحبين، وما مات ممن تحبين. ابقي طيبة، وابقي ردِ على من يقرأ حروفك.. ولكِ في الختام الود الذي تعرفين

عثمان يوسف خليل

 ✍️✍️✍️✍️✍️✍️✍️✍️✍️✍️✍️✍️

 وعليك من السلام أجله والكثير من الاحترام

أستاذي العزيز عثمان يوسف

كما تعلم أنني من محبي الأدب والتاريخ فهما بالنسبة لي الهوى والهوية، ولكن حين تخصصت في علم السايكولوجي أيقنت أن الإنسان ما هو إلا  امتداد لثقافته وجينات أجداده، وأن أغلب الإشكاليات التي تواجه الإنسان هو صراع هذه المفاهيم مع واقعه وقدرته على التفاعل والتواؤم مع ما يحمل من أثقال.

أذكر جيدًا أول حديث دار بيننا في صفحة أستاذي الفاضل حسن إبراهيم في أحد المواقع الإلكترونية حين لجأت إليك في استشاره لها علاقه بمرض التوحد، وقد امتد النقاش في أسلوب العلاج ومن هناك امتدت صداقة اعتز بها كثيرًا بعد مرور كل هذه الأعوام.

حين سألتني عن طرق التواصل في أيامنا، كان وللصدفة الجميلة إنه وقع بين يدي جواب حنين من زمان الناس الطيبين ذكر إنه مما تحتفظ به دار الوثائق.. لا أبالغ إن قلت إنني قد فتنت ببساطة التعبير وروعة الخط وتفاصيل التوقيت المؤرخ.. زد على ذلك وهذا هو المهم عندي، إنني كنت كما ذكرت لك من قبل مرتبطه بوالدي جدًا فكانت رسائله التي يحتفظ تخفف عني كثيرًا أثر الفراق… أحب كامل حقبته الزمنيه التي تجعلني أقرب إليه… وأذكر جيدًا صديقه العزيز (عمو سامي طه) وتعابير وجهه وهو يخبرني كيف كانت مراسلاتهم التي يتبارون في حسن أسلوبهم ورقي كلماتهم أثناء المخاطبة، وكيف كان يناكف والدتي بأنها كانت السبب في قطع كل الخطابات والرسائل لأن والدي هام بها واكتفى بها عن نساء الأرض قاطبة.

 نعم يا أستاذي تؤنسني تلك الإخوانية وتجدني أفتتن بالمشاعر الإنسانية الصادقة أيًا كان زمانها ومكانها.. انتظر منك أن تبدأ لنا بإستذكار الرسائل بنوعيها الإخوانية وأن تتطرق لرسائل غادة السمان ومي زياده وتفتح لنا الباب كقراء للنقاش للإثراء..

ولك كامل الشكر والتقدير والاحترام.

نمارق محيي الدين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى