بلاغة الصمت وتربية السكون: من اللغة إلى السلوك
صبحى عبد النبي
الصمت هو التوقف عن إصدار الصوت كاختيار بدلا عن الرد بالكلام .
والصمت أبلغ احيانا من الرد, وقيل “إذا كان الكلام من فضة فالصمت من ذهب “، وهذا يدل على أن الصامت عكس المتكلم .
وكثيرا مايتعلق الصمت بالحكمة وهذا لايتوفر في السكوت
مثال: صمت الحكيم عن الكلام
أما السكون فهوم انعدام الحركة عموما سواء عن قصد أومن غير قصد وهو هدوء الأعصاب .
ومن أمثلة السكون ،سكون الليل من أي صوت. و يقال سكنت الرياح ويستخدم في المجلات الفيزيائية غالبا. وسمي المنازل بالسكن لأنها موطن الهدوء والسكن يعني الرحمة كذلك. وتجد العلاقة بين الصمت والسكون نتاج سلوكي تربوي إذا من ثمار الصمت السكون ، فلاسكون بلا صمت .
أما السكوت هو قطع الحديث بعد بدئه، بسبب خوف او تردد أو غيره , يقول الأزهري في تهذيب اللغة (ص 111)
يُقَال:
أَخْطَفَ لي فلانٌ من حَديثهِ شَيْئا ثمَّ سَكتَ، وَهُوَ الرجل يَأْخُذ فِي الحَدِيث ثمَّ يَبدو لَهُ فيقطعُ حَديثَه ويأتي السكوت بمعنى السكون كما في قوله تعالى (سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ) ويمتد السكون إلى الموت حينا كما في حادثة الماعز(فرَمَيناه بجَلامِيدِ الحرَّةِ حتَّى سكَت) بمعنى حتى مات.
وتمتد هذه المفردات اللغوية الرائعة في أسلوب حياتنا اليومية لنسير بها في خارطة طريق تربوية ، فلا تعتقد أن إثبات الذات لا تأتي إلا بالكلام
حيث قال الشاعر :
أما ترى الأسد تخشى وهي صامتة ..والكلب يخزي لعمر الله نباح .
فإننا نغفل كثيرا عن مصدر الهيبة والتوازن النفسي الذي نبني به بيوتا آمنا ومجتمعا راقيا ، وذوقا عاليا ، ألا وهو الصمت في المواضع التي نحتاج له كوسيلة لدرء مخاطر الجهلاء . فالمعلم في بيئته المدرسية والأب في بيته والمرشد في مجتمعه يجدون الثمرات الصالحات من الصمت أما ترى أن المشاكل والتوتر تبتعدان من مواضع الصمت بعدًا واسعًا، إذ تجد المخطيء إشعارا محرجا من مواضع الصمت ، وكما أشرنا في اللغويات لهذه المفردات إن السكون والأمان نتيجة للصمت . وفي حديث الأعرابي الذي بال في المسجد، لم يُقابَله .النبي ﷺ بصراخ أو توبيخ، بل صمت وتركه حتى انتهى، ثم وجّهه برفق. ومن عظم التربية بالصمت قال صلى الله عليه وسلم “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت” .
ولم يغب الأئمة من الإشارة للصمت كطريقة جادة للتربية حيث قال الشافعي:
إذا نطقَ السفيهُ فلا تُجبهِ
فخيرٌ من إجابته السكوتُ
فإن كلمتَهُ فرّجتَ عنهُ
وإن خلّيتَهُ كمَدًا يموتُ
فالسكوت هنا لايعني الفرار بل أسلوب حاضر ومؤثر في مثل هذا الموقف إذ السفيه يزيد من شدة الاشتعال كلما سمع كلاما يتعلق بأمره .لأن الكلام تفرج عنه الهدوء .
وقال المتنبي:
وودُّك للصمت أبلغُ في الردى
من النطق إن لم تجد فيه محمدا
وهنا يبين موضع الذي لايجدي النطق فيه شيئا محمودا
ويقول آخر:
لعمركَ ما ضاقتْ بلادٌ بأهلها
ولكنّ أخلاقَ الرجالِ تضيقُ
فصمْتُ الفتى خيرٌ من النطقِ بالسُّفَه
وفي الصمتِ سترٌ للفتى لو يعقِلُ
فكأن الشاعر يتطرق لأمر كان مجهولا أنذاك وهو الصمت ، فيحثهم على عدم تجاوز أسلوب الصمت وخيريته من النطق وستره في مواقف العقلاء .
خلاصة الامر لاتعني الدعوة إلى الصمت تجاهل الحق وعدم الدفاع بالكلام ، ولكن أردنا نحي موقفا كاد أن يموت ليجد مساحة في أسلوب حياتنا.
وإن الشرور تموت بالتجاهل إذا التجاهل ذكاء والصمت قوة .
———————————–
د. صبحي عبد النبي عبد الصادق هو كاتب وباحث لغوي سوداني
ويعمل أستاذا للغة العربية بالمدارس الثانوية فى الإمارات
subhiabdelnabi@gmail.com