الحرب على إيران تُعيد تعريف السودان في ظل القتال داخل أروقة المجتمع الدولي

حاتم أيوب أبو الحسن
تشهد الأروقة الدولية اليوم إعادة تعريف حقيقية لموقع السودان في خريطة الصراع العالمي، فالوضع القائم فيه لم يعد مجرد قتال بين قوتين محليتين، ولا مجرد أزمة إنسانية أو سلسلة انتهاكات واسعة، بل تحوّل إلى نقطة ارتكاز جديدة لنمو قوى متطرفة عالمية، اختارت السودان كبيئة ملائمة لإعادة تشكيل ذاتها بعد أن تكسّرت أنيابها في لبنان، وقطاع غزة، واليمن، وها هي المواجهة تنتقل إلى إيران.
وسط هذه التحولات، لم يكن السودان بمعزل، بل أصبح اليوم مركز اهتمام كبير لإسرائيل وحلفائها. فبعد 77 عامًا من قيام الدولة العبرية، لا ترغب تل أبيب في تكرار أخطاء الماضي بالسماح بظهور “عدو استراتيجي” جديد في البحر الأحمر، بما يهدد حدودها ومستقبلها، على غرار ما تراه في تحوّل السودان إلى “غزة جديدة” داخل إفريقيا.
ما يُرصد اليوم من أنشطة لكتائب جهادية تقاتل لصالح حكومة بورتسودان، وظهور رموز متشددة تمجّد العنف وتدعو لـ”الجهاد”، يجعل من السودان مسرحًا مفتوحًا لتغذية التطرف وتسميم وعي الأجيال الجديدة، وهو ما تعتبره إسرائيل تهديدًا استراتيجيًا لأمنها.
ويزداد القلق مع الحديث عن عودة طرق التهريب القديمة الممتدة على طول الساحل، التي تم استهدافها سابقًا في “عملية كلاود” بسبب نقلها أسلحة إيرانية إلى غزة. هذه العودة تُعد تهديدًا وجوديًا – لا سياسيًا فقط – في نظر إسرائيل، وتحوّل البحر الأحمر من مجرد ممر جيوسياسي إلى ساحة معركة وجودية.
أما في الداخل السوداني، فقد أنهك القتال المتواصل منذ أكثر من ثلاث سنوات السودانيين، الذين يتطلعون بوضوح إلى السلام والعودة إلى طاولة التفاوض وتأسيس دولة موحدة، بينما يصرّ البعض على انتزاع السلطة عبر العنف.
في هذا المشهد المعقد، تضع الحرب على إيران والتحولات الإقليمية السودان من جديد في قلب الحدث. يتسع الصراع داخليًا ليأخذ طابعًا متعدد الأطراف، وتزداد المأساة الإنسانية، فيما يشتد الحظر الدولي.
التمسك “الإخواني” بالسودان لم يعد تكتيكًا مؤقتًا، بل خيارًا استراتيجيًا تُبنى عليه التحالفات المتشددة، ويشكل تهديدًا يتجاوز السودان ليصل الإقليم والعالم. كما أن السيطرة على البحر الأحمر تُستخدم كورقة تفاوض إقليمية، تتقاطع فيها مصالح الإسلاميين المتشددين مع قوى إقليمية فاعلة، ليس فقط إيران.
إن الرابط الأيديولوجي الذي يُلهب السودان اليوم يعيد رسم ملامح المنطقة كلها، ويقود الصراع نحو منحنى لا يمكن التنبؤ بعواقبه، مما يعقّد فرص تحقيق حلم السودانيين في السلام والحرية والعدالة.
فالإسلاميون، بتعدد أطيافهم، يرون أن العودة إلى الحكم لا تتحقق إلا بتحالفاتهم، ومن خلال السيطرة على الممرات الحيوية. وهو ما يثير القلق، ليس لإسرائيل فقط، بل للعالم كله.
من هنا، لم يعد القتال في السودان محصورًا بين أطراف محلية، بل أصبح جزءًا من صراع دولي مفتوح، لا يمكن تقدير نتائجه الآن. إما أن يتنازل الإسلاميون وتبدأ عملية تأسيس سودان جديد، أو أن تتعمق المواجهة، ويتم إقصاء مناطق بأكملها من المشهد، لصالح قوى تسعى لشرعية جديدة.
أما استقرار ووحدة السودان، فقد أصبحا معلقَين على ما ستؤول إليه صيف المنطقة الساخن بين إسرائيل وإيران، وما إذا كان السودان سيُعاد تعريفه كدولة تنتمي إلى العالم الجديد، لا تخشاه، بل تسهم في حفظ أمنه وسلامه.
نعود

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى