مثلث العوينات: نزوح لا يُشبه نزوحًا آخر

أفق جديد
ليست كل رحلة نزوح تشبه الأخرى، ولا يحمل النازحون ذات القصص، وإن تقاطعت ملامح الوجع.
في المثلث الحدودي بين السودان وليبيا ومصر، حيث تمتد الصحراء بوحشتها والحدود ببعدها، تناثرت عشرات الحكايات المؤلمة لأسر شردتها الحرب، وساقتها الظروف إلى مصائر متباينة.
واحدة عبرت الرمال على أقدامها، وأخرى حُملت على عربات الكارو، وثالثة وجدت مأواها مؤقتًا على الضفة الأخرى من الحدود، في مخيمات لا يعرف ساكنوها إن كانت محطة انتظار أم نهاية طريق.
نزوح العوينات لم يكن حدثًا مفاجئًا، بل نتيجة تراكمات من الإهمال والتجاهل والانفلات، ليتحوّل إلى نزيف بشري صامت نحو الشمال.
من دنقلا إلى الدبة، ومن أم درمان إلى غرب توشكا، تتجمّع شهادات من أُجبروا على الفرار، حاملين معهم صغارًا، وخيامًا من الذاكرة، وبعض ما تبقى من الكرامة.
بكيت أمام جوع أطفالي

يبقى نزوح العوينات شاهدًا آخر على حرب لا تفرّق بين الرمال والناس، وتدفع الأبرياء في كل مرة إلى هروب جديد، بأسئلة بلا أجوبة، وخرائط بلا وجهات آمنة.
ويعيش آلاف النازحين داخل مدينتي دنقلا والدبة شمالي السودان في ظل وضع مأساوي، بعد رحلة نزوح مؤلمة من مثلث “العوينات” الحدودي بين السودان وليبيا ومصر.
تقول “أم سلمة عبد الرحمن” لـ”أفق جديد”: “بكيت كثيرًا ووقفت عاجزة أمام جوع وعطش أطفالي أثناء رحلة عودتنا إلى الولاية الشمالية”.
وفي الوقت الذي تكافح فيه “أم سلمة” لتقديم المساعدة اللازمة لأسرتها الصغيرة بأي طريقة ممكنة، من إشعال النار في الموقد، ومراقبة الطعام، عليها جمع الحطب والماء.
وأضافت: “هربنا بحثًا عن الأمان بعد دخول عناصر الدعم السريع إلى منطقة المثلث الحدودي، ووصلنا أخيرًا إلى أم درمان في ظل حالة من الخوف والحزن”.
وتابعت: “تحمل أطفالي الصغار مسؤوليات تتجاوز سنوات عمرهم بكثير، وأثناء النوم يزعجهم كابوس صوت الرصاص”.
وأشارت “أم سلمة” إلى فرار عشرات العائلات من منطقة “العوينات” بحثًا عن السلام والأمان في ظل تعقيد الأوضاع الأمنية والإنسانية.
ومضت بالقول: “اضطررنا لاستئجار عربات الكارو مقابل 280 ألف جنيه في رحلة تستغرق أكثر من 3 ساعات عبر طرق وعرة خالية من الحماية الرسمية”.

“كرب التوم” في قلب النزاع :
يقول أيوب مصطفى، العائد من منطقة “كرب التوم”: “كنت أعمل هناك، لكنني عدت مضطرًا بعد سيطرة الدعم السريع على المنطقة”.
وأضاف مصطفى في حديثه لـ”أفق جديد”: “عانينا الجوع والعطش والمرض إلى أن وصلنا إلى مدينة أم درمان. نجونا من الموت بعد الأحداث المروعة هناك”.
وتابع: “عشنا أيامًا مع التعب والمعاناة. كتب الله لنا أعمار جديدة”.
وفي 16 يونيو الماضي، أعلنت قوات “الدعم السريع”، السيطرة منطقة “كرب التوم”، إحدى الواحات الثلاث الواقعة قرب سلسلة جبال العوينات في الولاية الشمالية.
وتمثل منطقة “كرب التوم” مسار إمداد كبير من منطقة “المالحة” في شمال دارفور وحتى “مليط” انطلاقا من ليبيا.
وتأتي عملية السيطرة على منطقة “كرب التوم” بعد أيام من استحواذ عناصر “الدعم السريع” على منطقة المثلث الاستراتيجية، التي تشكل نقطة التقاء محورية بين السودان وليبيا ومصر.
وفي يونيو الماضي، هاجمت قوات “الدعم السريع”، مثلث “العوينات” الحدودي، وعلى إثر ذلك أعلن الجيش السوداني الانسحاب من المنطقة الواقعة في أقصى الشمال الغربي للبلاد، واتهم قوات المشير خليفة حفتر، بإسناد الدعم السريع في السيطرة على المنطقة.

40 ألف والعدد في ازدياد
أعلنت حكومة الولاية الشمالية، أن تراكمي النازحين إلى مدينتي دنقلا والدبة من دارفور وكردفان ومثلث العوينات الحدودي وصل إلى حوالي 40 ألف نازح.
وأفادت مفوضية العون الإنساني بالولاية الشمالية، أن مدينة الدبة استقبلت حتى الآن أكثر من 6 آلاف أسرة نازحة – حوالي 30 ألف فرد – من الفاشر والمالحة بولاية شمال دارفور، ومن النهود والخوي بولاية غرب كردفان.
وتتعرض مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور إلى حصار طويل من قبل قوات الدعم السريع منذ أكثر من عام، بينما شهدت مناطق “المالحة” و”الخوي” و”النهود” معارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع انتهت بسيطرة الأخيرة على هذه المناطق.
وحسب المفوضية، فإن اضطراب الأوضاع الأمنية في منطقة مثلث “العوينات” الحدودي تسبب في آثار إنسانية تمثلت في تدفق نازحين من المنطقة النائية إلى دنقلا عاصمة الولاية الشمالية.
وأوضحت المفوضية أن عدد الفارين من مثلث العوينات إلى دنقلا وصل إلى 1091 نازح منذ بدء الأحداث هناك في يونيو الماضي.

وأشارت المفوضية إلى استمرار تدفقات النازحين إلى الولاية من إقليمي دارفور وكردفان والعوينات، وسط جهود تبذلها الولاية والمنظمات الإنسانية في توفير المأوى والغذاء.
ودعت المفوضية منظمتي الهجرة والدولية والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إلى التدخل للتكفل بنقل أكثر من 5 آلاف نازح سوداني اضطروا إلى الهروب من منطقة العوينات إلى داخل الحدود المصرية.
ونبهت إلى أن الفارين من عوينات داخل الحدود المصرية يقيمون حاليًا في مخيم غرب توشكا، ويحتاجون إلى تدخلات سريعة من المنظمات ذات الصلة لتوفير النقل إلى السودان والإعاشة إلى حين الوصول إلى وجهاتهم الأخيرة.
ومنذ أبريل/نيسان 2023، يشهد السودان حربًا بين الجيش وقوات “الدعم السريع”، خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل ونحو 15 مليون نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة والسلطات المحلية، بينما قدر بحث لجامعات أمريكية عدد القتلى بنحو 130 ألفًا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى