تجليات الأزمة السياسية السودانية
نيالا ترمز لعاصمة موازية لبورتسودان
حاتم أيوب
عندما احتدم الصراع السياسي في السودان، متجاوزًا كل مراحله الصعبة بعد انفصال جوبا، ينتج اليوم واقعًا جديدًا في مدينة نيالا، التي أصبحت تُعد عاصمة للسودان التأسيسي، كما يدلل روادها اليوم.
وكان بالأمس ما يسمى بالسودان الجديد: وطن واحد وسلطة لا مركزية، كما يتمنى كثير من المثقفين السودانيين، لكن الواقع السياسي للصراع كذب ذلك.
إن استئصال إعلان الميلاد الجديد للسودان بعد إجهاض الثورة السلمية، التي كانت كفيلة بتحقيق التطلعات والأماني، لم يكن هو وحده في العملية السياسية والنزاع.
الواقع في تجليات الصراع يكشف نشوب الحروب، وآخرها ما اندلع في مركز إدارة الحرب التاريخية في السودان، التي وصلت العاصمة الخرطوم، مما اضطر الجميع إلى نقلها إلى بورتسودان، التي توازيها نيالا اليوم.
ألزم هذا الواقع الجميع، بما فيهم الشعب السوداني، بخوض تجربة مريرة، نحو مأساة شاملة، إن لم يلعب دورًا فيها، فسيؤدي ذلك إلى تشرذم السودان وتمزيقه.
لا بد من التعامل بواقعية، وقبول واقع السلطتين دون صدمة، داخل روح السودان الذي ما زالت فرصته ممكنة لأن يكون واحدًا موحدًا.
وإن طال الانتظار، فإن الصراع يقترب من نهايته، ولكن السؤال: كيف تكون هذه النهاية؟
إذا أدركت السلطتان تطلعات السودانيين، فعليهما الذهاب إلى جدة أو إلى أي منبر آخر، للحديث أولًا عن مستقبل السودان الموحد، بمسؤولية أكبر، متجاوزًا تنظيم الإخوان.
وهنا احتدم الصراع أيضًا، وقلت المعارك وتراجعت الحرب من كل الأطراف، نحو التأسيس والإعلان للسلطتين في بورتسودان ونظيرتها نيالا، مما يضيف تجربة مريرة أخرى في السياسة السودانية، ويجعلها محط أنظار العالم في تسارعها.
وما يتطلب المواجهة ليس الحرب، لأنها ليست المستقبل المشترك، ولا الكراهية، لأنها لا مكان لها في السلام والتعايش وفقًا للمواطنة، التي تبني أساس الحقوق وأداء الواجبات.
فإن المستقبل المشترك هو الإرادة بالوحدة، والرغبة في العدالة، والرضا بالمساواة، والتنازل عن التعالي، لتأسيس سودان واحد متحد في أقاليمه، ينهي الظلم والتهميش، ويفسح لآفاق جديدة في التنمية والازدهار بعد إنهاء الحرب والصراع. فكيف يكون ذلك؟
اليوم، النخبة في الطرفين مسؤولة مباشرة أمام التاريخ والأجيال عن مصير السودان وشعبه، بعدما وصل الصراع إلى تجلياته، وهم يعدون للإعلان الجديد لمدينة نيالا عاصمة موازية لبورتسودان.
فما هي الوصفة التي تجيب وتستطيع أن تحسم الصراع الطويل المتجدد في الأزمة السياسية السودانية؟
ليست السلطتان هما سدرة المنتهى.
نعود.