حرب السودان تدمر سلالات نباتية نادرة
أفق جديد
17 ألف نوعٍ من السلالات الوراثية للنباتات كانت محفوظة لمدة 40 سنة، في بنك الجينات النباتية بمدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة، وسط السودان، أصبحت هشيمًا تذروه الرياح إبان سيطرة قوات “الدعم السريع” على المنطقة.
وبنك الجينات الذي أُنشئ عام 1982 يُعتبر أحد المراكز البحثية العاملة ضمن منظومة هيئة البحوث الزراعية في السودان، ويتم عبره حفظ وصيانة عينات بذور لأكثر من 15 ألف مدخل، جرى جمعها من مختلف أقاليم السودان، وأكثر من ذلك لبعض المداخيل.
يُعد بنك الجينات بمثابة ثروة علمية هائلة يتابع تطور سلالة النباتات، وحفظ الأصول والسلالات الخاصة بالنباتات بتصميم عالمي لكل نبات، ويتتبع الطفرات الوراثية للنباتات المختلفة.
والمداخيل تمثل العديد من أصناف المزارعين المحلية والتقليدية والقديمة، وكذلك الأقارب البرية لكثير من المحاصيل الزراعية في السودان مثل الذرة (الذرة الرفيعة)، والدخن والسمسم والفول السوداني واللوبيا والفول المصري وحب البطيخ والقرع العسلي والبامية والطماطم والفلفل الحار والكركديه.
والموارد الوراثية تُعتبر وحدات البناء الرئيسية والمواد الخام الأساسية لكافة أنشطة البحث العلمي والتحسين الوراثي، التي تهدف لتحسين إنتاجية وجودة المحاصيل الزراعية المختلفة، وتتمثل أهميتها في تحقيق الأمن الغذائي والتغذوي، والأمن البيئي، وتوفير المأوى والدواء والكساء والطاقة للإنسان.
خسائر بملايين الدولارات
في 22 يوليو الماضي، تلقت عضو مجلس السيادة السوداني، سلمى عبد الجبار، خلال زيارتها إلى ولاية الجزيرة شرحًا مُفصلًا حول حجم الأضرار والتحديات التي أحدثتها قوات الدعم السريع، بأقسام مشروع الجزيرة وسرقة الآليات والمعدات وماكينات إعداد المحاصيل، ما أدى إلى تعطيل العمل في مساحات شاسعة من المشروع، وانتشار شجرة المسكيت والحشائش، وكشفت التقديرات الأولية أن خسائر المشروع تبلغ نحو 5 ملايين دولار.
زارت عبد الجبار مقر هيئة البحوث الزراعية، وتعرفت على جهود هيئة البحوث الزراعية لاستعادة نشاطها البحثي، وعلى رأسها الجهود المبذولة لإنقاذ مدخرات بنك الجينات، التي تضم نحو 17 ألف عينة مداخيل بإمكانها أن تفيد السودان والعالم، التي ظلت محفوظة لمدة 40 سنة.
مرتكز أساسي
أعلن والي ولاية الجزيرة إبراهيم الخير، لدى ترأسه بهيئة البحوث الزراعية بمدينة ود مدني الاجتماع المشترك الذي ضم هيئة البحوث الزراعية ومنظمة (الفاو)، التزام حكومة الولاية بتركيب غرفة مبردة في بنك الجينات الوراثية بالهيئة .
وأكد الخير أن البحوث الزراعية مرتكز أساسي ومرجعية للزراعة الناجحة في السودان، واستمرار دعم حكومة الولاية لتعود البحوث الزراعية أفضل مما كانت عليه في السابق.
من جانبه كشف البروفيسور أحمد حسن أبو عصارة، وهو المدير المكلف لهيئة البحوث الزراعية، الدمار الممنهج الذي ألحقته قوات الدعم السريع بالهيئة، خاصة بنك الجينات، بنهب 33 ثلاجة تحتوي على أكثر من 17 ألف نوع من السلالات الوراثية للنباتات، لافتًا لأهمية البنك في حفظ السلالات الوراثية.
وأشار إلى انتظام العمل وإنبات السلالات التي تحتاج توفير الثلاجات أو غرف مبردة للحفاظ عليها وضمان سلامتها، وأشاد باهتمام والي الجزيرة بنهضة الهيئة .
تقييم الأوضاع
قال نائب ممثل منظمة (الفاو) بالسودان آدم ياو، إن زيارتهم لهيئة البحوث الزراعية تستهدف تقييم الأوضاع ثم التدخل عبر خطط ممرحلة، وأشار إلى عدد من الجهات المانحة التي يمكن أن تسهم في إعمار بنك الجينات والهيئة لتحسين السلالات .
فيما أكدت مدير عام وزارة الإنتاج والموارد الاقتصادية بالولاية، عرفة محمود على أهمية تدخل منظمة الفاو لإنقاذ ودعم بنك الجينات للحفاظ على السلالات الوراثية للنباتات.
وشدد الخبير الزراعي، عابدين الأمين، على ضرورة تنفيذ خطة قصيرة المدى لإنقاذ محتويات بنك الجينات من الموارد الوراثية، وتهيئة المكان بتوفير معدات وأجهزة ومبردات.
وأوضح الأمين في حديثه لـ”أفق جديد”، أن البذور والعينات تحتاج إلى بيئة آمنة تخضع للرقابة بغرض حفظها وصيانتها.
نداءات لإنقاذ بنك الجينات
في أعقاب سيطرة قوات الدعم السريع، على العاصمة ود مدني في ديسمبر 2023، وجه خبراء نداءات لإنقاذ بنك الجينات لما يمثله من ثراء التنوع البيولوجي الزراعي في السودان.
وسبق أن أطلق عالم النبات السوداني المقيم في السويد، محمد الصافي، نداء للمجتمعين الدولي والمحلي، لإنقاذ بنك البذور الرئيسي في البلاد من الضياع والدمار، والمخاطر التي تواجه البحث العلمي الزراعي بعد وصول الحرب بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني إلى ولاية الجزيرة.
ووفقًا لنداء الصافي، الذي أطلقه عبر منصة «Research Professional News»، فإن “بنك الجينات المركزي” التابع لمركز الحفاظ على الموارد الوراثية النباتية الزراعية وأبحاثها، يواجه تهديدًا وجوديًا غير مسبوق، وأن هناك حاجة طارئة لنقل الموارد الجينية من حافظات البذور، ومسابقة الزمن قبل تلفها.
وحذّر الصافي من فقدان السودان لتنوعه الوراثي الذي يضر بمرونته الزراعية، ويهدد النظام الغذائي العالمي، باعتبار السودان منشأ لكثير من المحاصيل الأساسية.
ويضم بنك جينات النبات وفقًا لتقرير «Research Professional News» أكثر من 15 ألف عينة، تتضمن بذور المواد الغذائية والزراعية، مثل البطيخ والذرة الرفيعة والدُخن اللؤلؤي.
جدير بالذكر أن العينات الوراثية النباتية للأغذية والزراعة، تعتبر مواد أساسية للبحوث العلمية وبرامج التربية والتحسين الوراثي، لاستدامة وتطوير الزراعة.
وأُنشئت هيئة البحوث الزراعية السودانية في عام 1902، بهدف إنتاج التقنيات والنظم اللازمة لإنتاج المحاصيل وضمان الأمن الغذائي واستكشاف الإمكانات الزراعية في عدد من مناطق البلاد. ومن بين أجهزة الهيئة المهمة “بنك الجينات والبذور السودانية” الذي يضم عينات جينية من البذور التي أجريت الأبحاث حولها منذ أكثر من قرن، وتعد تراثًا علميًا لا يقدر بثمن.