ريان النيل… فن يبني مستقبل السودان من ذاكرة المكان

بقلم : بن بينيت – al bustan seeds
في مرسمها بلندن، تجلس الفنانة والمصممة السودانية البريطانية ريان النيل أمام مكتبها، واضعةً سماعات كبيرة على شعرها المجعد، فيما تغطي سماء العاصمة البريطانية رمادية باهتة. لكن على جدران المرسم، تتفجر الألوان المستوحاة من السودان، لتُشكل عالمًا موازياً مليئًا بالحياة.
تستعيد ريان، التي وُلدت في لندن ونشأت وسط مجتمع سوداني، ذكريات رحلاتها العائلية إلى الخرطوم قبل الحرب في 2023، حيث كانت تمكث شهرًا أحيانًا بين منازل الأقارب وأحياء المدينة. هناك، التقطت صورًا ومشاهد معمارية أصبحت لاحقًا حجر الأساس لأعمالها الفنية.
أحدث مشاريعها، معرض “الملاذات الرقمية” في مركز بذور الثقافة بالبستان (يوليو الماضي)، قدّم سلسلة مطبوعات ثلاثية الأبعاد لنسختين من منزل سوداني: الأولى تجسد العمارة التقليدية، والثانية تعيد تخيلها برؤية مستقبلية. تقول ريان:
“لماذا يجب أن تبدو المستقبلية دائمًا بصورة واحدة؟ ماذا لو كانت الرؤية المستقبلية للسودان مختلفة، نابضة، ومرتبطة بالناس؟”
ريان، وهي مهندسة معمارية وفنانة ومعلمة، شاركت في تأسيس استوديو “سبيس بلاك” في لندن، يقوده متخصصون سود في مجال البيئة المبنية، ويركز على جعل التصميم أكثر عدلاً وشمولاً. بالنسبة لها، الفن ليس مجرد إبداع شخصي، بل أداة لرسم ملامح مستقبل سوداني متفرد.
أثناء دراستها للهندسة المعمارية بجامعة غرينتش، لاحظت أن مناهج “تصميم المستقبل” أوروبية بامتياز، مستندة إلى المدرسة الإسكندنافية و”الباوهاوس”، حيث تُمحى آثار الماضي لصالح السرعة والكفاءة. لكن ريان ترى أن السودان بحاجة إلى رؤية مستقبلية تحتضن إرثه الثقافي، لا تمحو ملامحه.
في أعمالها، تمزج بين الذكريات الملموسة لعمارة الخرطوم وبين تصورات حداثية مليئة بالضوء والألوان. تقول:
“المساحات التي أتخيل العيش فيها في السودان هي انعكاس شخصي للغاية… هي امتداد للذاكرة والهوية.”
بعد تخرجها عام 2019، عملت مساعدة معمارية في مكتب بريطاني تقليدي، لكنها شعرت أن بيئة العمل هناك لا تحتمل الإبداع المتنوع، خاصة وأن 64٪ من المعماريين في بريطانيا – وفق مجلة RIBA – هم من الذكور البيض. هذا دفعها عام 2020، خلال جائحة كوفيد-19، إلى ترك العمل التقليدي وتأسيس “سبيس بلاك” مع هبة تبيدي، لتكون منصة تفتح المجال للمصممين السودانيين والأفارقة في بريطانيا.
تركز “سبيس بلاك” على خلق بيئة تعليمية ومهنية أقل تقييدًا، وأكثر انفتاحًا على الأصوات الجديدة، حيث تُقدّم ورش عمل وحوارات تصميمية بأسلوب غير رسمي، يكسر الحواجز ويتيح مشاركة الجميع، حتى من هم خارج الإطار الأكاديمي الصارم للهندسة.
ريان ترفض أن تتحول سبيس بلاك إلى شركة كبيرة تستغل المصممين الشباب، بل تصر على دفع أجور عادلة للجميع، لأن العدالة في بيئة العمل جزء من رؤيتها للمستقبل.
التزام ريان تجاه السودان لا يقتصر على الفن. فمع تصاعد الحرب التي اندلعت في 15 أبريل 2023، أطلقت مبادرة إنسانية بعنوان “+249 مطبوعة للسودان”، في إشارة إلى رمز الاتصال الدولي للسودان. تضم المبادرة مجموعة صور التقطتها بين عامي 2018 و2022، تُظهر جمال السودان الذي كان، على أمل أن يعود.
من خلال شراء هذه الصور، يمكن للجمهور دعم العائلات المتضررة من الحرب، إذ تُحوّل جميع العائدات مباشرةً إلى أفراد من عائلة ريان وأصدقائها ممن يعرفونهم شخصيًا، والذين يعيشون أوضاعًا قاسية بسبب النهب وارتفاع أسعار الغذاء والإيجار والوقود، وتكاليف السفر الباهظة للهروب من مناطق النزاع. تقول ريان إنها ستنشر تحديثات توزيع التبرعات عبر حساباتها وموقعها الإلكتروني (rayanelnayal.com)، مؤكدة أن هذا الدعم الإنساني هو امتداد طبيعي لرسالتها الفنية والاجتماعية.