الرنك.. محطة اللجوء الأخيرة قبل المجهول

 

أفق جديد

 

 

عند تقاطع الحدود تضيق الأرض بأهلها. تستقبل مدينة الرنك موجات متلاحقة من اللاجئين السودانيين الفارين من الحرب والجوع.

تتسع الأزمة الإنسانية، وتضيق سبل الحياة في ظل استمرار الحرب وتضاؤل الحل السلمي، لا يزال الوضع في السودان مروعًا ويثير قلقًا متصاعدًا.

الاحتياجات الإنسانية مستمرة وسط استمرار النزوح واللجوء عبر مناطق متعددة من البلاد. وخلال اليومين الماضيين، تدفق آلاف الأشخاص على مدينة “الرنك” بدولة جنوب السودان ما تسبب في استهلاك شديد للموارد الشحيحة أصلًا، وترك الفارين من العنف في مواجهة أزمة إنسانية عميقة.

وأفاد شهود عيان “أفق جديد”، أن اللاجئين الجُدد يتناولون وجبات محدودة أقل من ربع الاحتياجات الغذائية اليومية.

وطبقًا للشهود، فإن النساء والأطفال يعانون الأمراض والجوع في ظل تساقط الأمطار، وعدم وجود مستشفيات ميدانية ومياه نظيفة وأغطية ثقيلة.

وأكد الشهود تفشي معدلات سوء التغذية الحاد في مراكز استقبال السودانيين بين النساء والأطفال في مدينة الرنك، الأمر الذي يتطلب تدخلًا عاجلًا من المنظمات الإنسانية.

 وحذر ناشطون في الحقل الإنساني من أن انعدام الأمن الغذائي لا يزال يثير قلقًا عميقًا، حيث ارتفعت أسعار المواد الغذائية الأساسية بشكل ينذر بالخطر.

وأفاد الناشط الإنساني، يوسف إبراهيم “أفق جديد”، أن الآلاف يعانون من الجوع الحاد في الرنك ومحيطها، وأن الوضع سيزداد سوءًا خلال موسم الخريف الحالي.

وأوضح أن أسعار المواد الغذائية الأساسية ارتفعت بشكل ينذر بالخطر، وينبغي وصول المساعدات العاجلة إلى المحتاجين دون قيد أو شرط.

وحسب إحصائيات الأمم المتحدة تجاوز عدد اللاجئين السودانيين خارج البلاد 4 ملايين شخص، منذ اندلاع الحرب في البلاد في نيسان/أبريل 2023. ووجد هؤلاء ملاذًا في 7 دول أفريقية مجاورة هي جمهورية أفريقيا الوسطى، وتشاد، ومصر، وإثيوبيا، وليبيا، وجنوب السودان، وأوغندا.

 ويقول برنامج الأغذية العالمي، إن تلك الأعداد التي تبحث عن الغذاء والمأوى والأمان خارج بلادها تصل إلى بلدان اللجوء مصدومة، تعاني سوء التغذية ولا تملك سوى القليل.

 وقدّم البرنامج مساعدات غذائية ونقدية ووجبات ساخنة للاجئين وبعض المجتمعات المضيفة التي تعاني معظمها أصلًا من انعدام الأمن الغذائي.

وذكر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في جنوب السودان: إن الحرب في السودان دفعت نحو 750 ألف لاجئ لدخول أراضي البلاد، مستفيدين من قرار رئيس جنوب السودان، سلفاكير ميارديت، بالسماح لهم بالعبور من دون تأشيرات أو رسوم، تقديرًا للعلاقات الوثيقة بين الشعبين.

وخصصت السلطات في جوبا، بالتعاون مع المنظمات الإنسانية، معسكرات في ولايات أعالي النيل وشمال بحر الغزال، إلى جانب معسكر داخل العاصمة، لتوفير المأوى والخدمات الأساسية  للفارين من القتال المتصاعد، وسط تزايد الاحتياجات الإنسانية الطارئة.

كما طالبت حكومة جنوب السودان المنظمات الدولية بتوفير 1.7 مليار دولار لمقابلة الاحتياجات الإنسانية المتزايدة.

وقال وزير الشؤون الإنسانية، البينو أتاك أكول، في بيان رسمي، إن هذا الدعم ضروري لتوفير الحاجات الأساسية، مشيرًا إلى أن “الأعداد المتزايدة تجاوزت قدرات الحكومة المحدودة”، وأن “أوضاع اللاجئين داخل المعسكرات بدأت تتدهور بسبب نقص الموارد وانعدام الخدمات الضرورية”، وهذا يفاقم الأزمة الإنسانية التي تواجهها البلاد.

وفي ظل تصاعد التحديات الإنسانية على طول الممرات الحدودية شمال شرق جنوب السودان، شرعت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وشركاؤها في تنفيذ استجابة عاجلة لتوفير مساعدات إغاثية لآلاف الأسر النازحة في منطقة الرنك، وذلك بالتزامن مع اقتراب موسم الأمطار وتزايد تدفق اللاجئين من السودان المجاور.

وقالت المفوضية في بيان ميداني إن فرقها قامت بتوزيع مساعدات أساسية لأكثر من 2,000 أسرة نازحة، شملت مشمعات بلاستيكية، ومصابيح تعمل بالطاقة الشمسية، وبطانيات حرارية، في محاولة لتمكين هذه العائلات من الصمود أمام الظروف الجوية الصعبة، وتوفير الحد الأدنى من الحماية قبل أن تنقطع سبل الوصول البري بسبب الأمطار.

وحذرت المفوضية من أن الطرق المؤدية إلى المناطق الحدودية في “الرنك” باتت على وشك أن تصبح غير سالكة خلال الأيام القادمة، بفعل الأمطار الموسمية المتوقعة، مما سيعقد عمليات الإغاثة، ويضع آلاف في مواجهة أوضاع إنسانية حرجة.

وأشارت التقارير الميدانية إلى أن العديد من الوافدين الجدد من السودان يصلون إلى الرنك منهكين، ودون مأوى، أو غذاء، أو رعاية صحية، مما يرفع مستويات الهشاشة والاحتياج داخل المجتمعات المستضيفة.

وفي ظل هذا التصاعد، دعت المفوضية وشركاؤها إلى زيادة التمويل والدعم اللوجستي العاجل لضمان استمرارية التدخل الإنساني، خصوصًا في المناطق المعرضة للعزلة بفعل الفيضانات وانهيار الطرق.

ويُعد معبر “الرنك” أحد أبرز نقاط العبور من السودان إلى جنوب السودان، وقد شهد منذ اندلاع الأزمة في السودان تدفق عشرات الآلاف من الفارين من الحرب، مما ضاعف الضغط على المجتمعات المحلية والجهات الإنسانية العاملة على الأرض.

ووفق المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فقد اضطر أربعة ملايين شخص حتى الآن للفرار من السودان إلى الدول المجاورة منذ بداية الحرب، التي دخلت عامها الثالث، وهو ما يمثل منعطفًا مأساويًا في أزمة النزوح الأكثر ضراوة في العالم.

وفي حال استمر النزاع، فسوف يواصل آلاف الأشخاص الآخرين الفرار، مما يعرض الاستقرار الإقليمي والعالمي للخطر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى