من على الشرفة
الرجل الخراب
طاهر المعتصم
في الثاني عشر من ديسمبر من سنة 1999، أو ما عُرف بقرارات رمضان، التي تمخضت عن انقلاب ثانٍ للبشير ومجموعة من الإخوان، كانت ما أطلق عليها (مذكرة العشرة)، هي القشة التي قصمت ظهر بعير عراب جماعة الإخوان الراحل الدكتور حسن الترابي.
هنا لمع اسم (علي كرتي) رابع أربعة، أما الثلاثة فهم (سيد الخطيب وبهاء الدين حنفي وغازي صلاح الدين)، وبحسب أمين حسن عمر فقد (ذهب الأربعة بالمذكرة إلى الفريق بكري حسن صالح وزير رئاسة الجمهورية وقتها، بغرض تحديد موعد لهم مع البشير)، الذي أصبح خامس الموقعين، وتم استكمالهم إلى عشرة أشخاص، وحدث الانقسام بين الشيخ العراب والرئيس، واستخدم عنف الدولة في إقصاء إخوان الأمس.
(البعض يذهب بعيدًا ويشير إلى علاقات وصلات قديمة بين كرتي والبرهان، لكنها ربما تكون علاقات مناطقية أو إثنية، ويرى أن كرتي كان على صلة بالبرهان منذ أن كان البرهان ملحقًا عسكريًا في الصين).. د. عبدالرحيم عمر في كتابه (أسباب سقوط حكم الإسلاميين في السودان).
منذ أبريل 2019 وسقوط نظام البشير والإخوان، ظل كرتي اسم يتردد كثيرًا، فقد أفلح في إخفاء نفسه، وبحسب أحد كوادر الإخوان، فقد ظل يبعث برسائل تطمينية لهم بأنه على تواصل مع المكون العسكري، أحد شركاء ديسمبر، بوفاة الأمين العام للجماعة الزبير أحمد الحسن في أبريل 2021، ومغادرة أغلب قيادات التنظيم إلى تركيا وغيرها، حاول علي كرتي أن يصعد لمنصب الأمين العام، لكن إخوانه في الجماعة كان لهم رأي مخالف، عزوه لعدم توفر مقدرات فكرية، ووصل الصراع أشده بين جناح إبراهيم محمود ونافع علي نافع، وبين جناح علي كرتي وأحمد هارون، وفي اجتماع تسرب إنه عقد في ضواحي (عطبرة)، قيل إن البشير رجح كفة كرتي، كما فعل في 1999، إلا أنه لم يكن يرتدي البزة العسكرية.
في سبتمبر من العام 2023 فرضت الولايات المتحدة الأمريكية، عقوبات على القيادي الإخواني علي كرتي، بلينكن وزير الخارجية الأمريكي السابق، أوضح في بيان له (أن فرض عقوبات على علي كرتي بوصفه أمين عام الحركة الإسلامية وهي جماعة إسلامية متشددة، تعارض بشدة التحول الديمقراطي في السودان).
لم استغرب ومحدثي يروي لي أن السيارة الهايلوكس ذات الكبينتين، هبط منها علي كرتي وأحمد هارون، في مسجد بأم درمان قبل شهرين، وكالوا السباب لمن وصفوهم بالخونة، ظننتهم يصفون الدعم السريع الذي أسسوه، أو القوى المدنية التي أسقطتهم، لكن صححني الراوي أنهم يقصدون جناح إبراهيم محمود ونافع.
لعل القارئ يتذكر حديث عبد الحي يوسف عن عدم ثقتهم في قائد الجيش، وإنهم اخترقوا حتى مكتبه، لذلك عندما صدر اتهام باستخدام أسلحة كيمائية، ربط محدثي بين الأمرين، وأنها محاولة لتوريط المؤسسة، وقطع الجسور التي تحاول أن تمدها مع المجتمع الدولي. متى يزعن كرتي لعجلة التاريخ، ويدرك أن الوصول للسلطة عبر الانقلابات والحروب لا يستمر، والدليل محاولته في 1999، أما أن يدفع الشعب أو الجيش ثمن طموحه في إعادة عقارب الساعة، لا أظن أنه يهتم بهذه الأمور، لكن المعلوم أن الشعب وجيشه، لن يقبلوا أن يقسم مرة أخرى السودان كما حدث لجنوب السودان، ولن يقبلوا محاولات الإرهاب التي تضع البلاد في قائمة الدول الراعية للإرهاب، كما حدث بعد محاولتهم اغتيال الرئيس المصري الراحل حسني مبارك، والمؤسسة العسكرية تدرك ذلك وأكثر.