مجلس الأمن يرفض السلطتين في السودان

بين الضوء الأخضر للتفاوض وحسابات الميدان

حاتم أيوب أبو الحسن

 

في تطور سياسي لافت، أصدر مجلس الأمن الدولي بيانًا حاسمًا رفض فيه إعلان تشكيل حكومتين متوازيتين في السودان، واعتبر الخطوة تهديدًا مباشرًا لوحدة البلاد وتفاقمًا للأزمة الإنسانية، ودعا إلى وقف القتال ورفع الحصار عن مدينة الفاشر.

وقد رحبت الحكومة السودانية وعدد من القوى السياسية بالموقف الدولي، بينما أكد تحالف “تأسيس” أن التفاوض هو السبيل الوحيد لبناء دولة مدنية ديمقراطية. البيان حمل رسائل واضحة بأن المجتمع الدولي لن يمنح الشرعية لأي سلطة تُفرض بالقوة أو خارج العملية السياسية المعترف بها، وجاء صدوره بعد أيام من لقاء جمع الفريق عبد الفتاح البرهان بالمبعوث الأمريكي في سويسرا، وهو لقاء بدا وكأنه إشارة دعم أمريكية للحكومة المركزية في مواجهة مساعي “السلطة الموازية”، وربما أسهم في تهيئة الأجواء لبيان دولي بهذه الحدة.

القراءة المتأنية لهذا الموقف تكشف عن استعداد دولي لفتح مسار تفاوضي جديد، لكن نجاحه يظل مشروطًا بآليات ضغط حقيقية على الأطراف، وهو ما لم يتضح بعد، خاصة في ظل استمرار سيطرة قوات الدعم السريع على مساحات واسعة وسعي الجيش لتثبيت مواقعه في جبهات أخرى.

ومن المرجح أن تشهد المرحلة المقبلة أحد ثلاثة مسارات: تفاوض مباشر برعاية دولية إذا تحركت واشنطن بالتنسيق مع الاتحاد الإفريقي و”الإيغاد” للتوصل إلى وقف إطلاق نار مراقب، أو استمرار المراوحة الميدانية مع بيانات دولية متكررة بلا تنفيذ، وهو السيناريو الأقرب في المدى القريب، أو تصعيد إقليمي إذا فشلت الضغوط، ما قد يحول السودان إلى ساحة صراع بالوكالة.

في هذا السياق، تبدو مواقف الأطراف الإقليمية مؤثرة؛ فمصر تميل لدعم الجيش باعتباره المؤسسة الشرعية الحامية لوحدة الدولة، بينما تواجه الإمارات اتهامات بدعم جناح في الدعم السريع، مع احتمال تعديل موقفها تحت ضغط واشنطن، وتحافظ تشاد على توازن حذر لتأمين حدودها، فيما تراقب إثيوبيا المشهد وقد تستغله لتعزيز نفوذها في ملفات إقليمية، بينما تبقى السعودية مرشحة لاحتضان أي مفاوضات إذا توافرت الإرادة الدولية.

أما على مستوى الحسابات الداخلية، فإن البرهان يمكنه استثمار البيان الدولي لتعزيز موقفه التفاوضي من خلال إظهار نفسه كحليف للمجتمع الدولي في مسار السلام، وتوظيف الاعتراف الأممي بسيادة ووحدة السودان لتقويض شرعية “السلطة الموازية”، إضافة إلى محاولة جذب دعم إقليمي أكبر على قاعدة أن الجيش هو الضامن الوحيد لوحدة الدولة. غير أن نجاح هذه الاستراتيجية سيعتمد على قدرته في تحقيق تقدم ميداني أو سياسي ملموس يمنع الدعم السريع من فرض شروطه على طاولة المفاوضات.

في المحصلة، يشكل بيان مجلس الأمن، مقرونًا بالتحرك الأمريكي الأخير، إطارًا سياسيًا جديدًا لفتح باب التفاوض في السودان، لكن بين الضوء الأخضر على الورق وواقع الميدان، تظل هناك فجوة واسعة لا يمكن ردمها إلا بإرادة سياسية محلية وضغط دولي منظم يحوّل الكلمات إلى أفعال.

وبحسب المعطيات الحالية، فإن أقرب فرصة لبدء محادثات جدية قد تكون بين نهاية العام الجاري وبداية العام المقبل، شريطة أن يترافق ذلك مع ضغوط أمريكية وأوروبية متزايدة، وتوافق إقليمي على استضافة المفاوضات، أما دون ذلك فسيظل الملف السوداني رهين بيانات الدعم اللفظي دون تقدم عملي.

نعود

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى