وهبي رئيسًا للمحكمة الدستورية.. إعادة تدوير العدالة 

أفق جديد

يبدو أن السودانيين يرتشفون مرة أخرى خمر العدالة القديم الذي تجرعوا مراراته في سنوات مضت، لكن هذه المرة جاء معبأ في قنانٍ جديدة.

قرار عبد الفتاح البرهان في 30 أغسطس 2025، بإعادة تعيين الدكتور وهبي محمد مختار رئيسًا للمحكمة الدستورية، أثار جدلاً واسعًا بين من يراه خطوة لإكمال مؤسسات الحكم، ومن يعتبره إعادة تدوير لوجوه ارتبطت بالنظام القديم.

النشأة والمسار الأكاديمي

درس وهبي محمد مختار القانون حتى حصل على الدكتوراه في مجاله، وارتبط اسمه بالأوساط الأكاديمية والقانونية بوصفه باحثًا مهتمًا بالقانون الدستوري وقضايا الحريات، إذ لطالما ردد في مقابلاته أن “المحكمة الدستورية هي محكمة المجتمع”، وأن الدستور يجب أن يأتي بصيغة عامة تضمن الاتفاق لا الخلاف.

مسيرته القضائية

تدرج وهبي في مناصب قضائية متعددة حتى وصل إلى رئاسة المحكمة الدستورية في نوفمبر 2014، بقرار من الرئيس المعزول عمر البشير خلفًا لعبد الله أحمد عبد الله. منذ ذلك الحين، صار اسمه حاضرًا في الملفات الكبرى المرتبطة بالنظام، وأصدرت المحكمة تحت رئاسته قرارات مثيرة للجدل، أبرزها إطلاق سراح قادة بارزين في نظام الإنقاذ مثل أحمد هارون وعبد الرحيم محمد حسين، وهو ما اعتبره معارضوه انحيازًا للسلطة أكثر من كونه حماية للدستور.

بين السقوط والعودة

مع سقوط نظام البشير في 2019، أقصي وهبي عن رئاسة المحكمة الدستورية، وترك المنصب الذي ظل شاغرًا حتى  2025، ما تسبب في تعطيل آلاف القضايا المرتبطة بالحقوق والحريات.

 خلال سنوات غيابه، ظل حضوره في المشهد محدودًا، ومع إعادة تعيينه تداول المهتمون مقابلات تلفزيونية سابقة تحدث فيها عن الدستور، حيث أكد أن الدستور هو “القانون الأسمى”، وأن القضاء الدستوري لا بد أن يبقى بعيدًا عن التفاصيل السياسية.

العودة بقرار البرهان

قبل عدة أسابيع، رفعت المفوضية القومية للخدمة القضائية توصية لمجلس السيادة بإعادة تفعيل المحكمة الدستورية وتعيين رئيس لها، فجاء القرار بتكليف وهبي محمد مختار من جديد. خطوة وصفت رسميًا بأنها استكمال لهياكل الحكم، لكنها لدى كثير من القانونيين والناشطين أعادت فتح ملف ماضيه مع الإنقاذ.

 كتب المحامي معز حضرة: “السيناريو أصبح واضحًا.. المحكمة ستلغي محاكمات الفلول (أنصار النظام السابق) وتشطب البلاغات بحجة التقادم”.

بينما علق ناشطون بأن الأمر “إعادة تدوير” لا يرقى حتى إلى مستوى تدوير النفايات.

شخصية مثيرة للجدل

يتسم وهبي بالهدوء والتحفظ في ظهوره العام، لكنه لا يتردد في اتخاذ قرارات مصيرية تحمل طابعًا سياسيًا. يرى أن الدستور إطار عام يتجاوز التفاصيل، لكن خصومه يصفونه بأنه يسخّر النصوص لخدمة السلطة القائمة. في المقابل، يعتبره مؤيدوه قاضيًا خبيرًا أعاد للمحكمة مكانتها العليا كحارسة للدستور.

العدالة في ميزان السياسة

بين مؤيد ومعارض، تقف صورة وهبي محمد مختار مركبة: قاضٍ أكاديمي يملك خبرة طويلة، وفي الوقت نفسه رمز مثير للجدل ارتبط اسمه بقرارات صادمة في عهد الإنقاذ. عودته اليوم تفتح الباب للسؤال: هل سيعيد للرجل الاعتبار عبر أداء مختلف يحمي الحريات، أم سيكون مجرد حلقة أخرى في سلسلة استخدام القضاء لتصفية الحسابات السياسية؟

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى