حارسة بلا دستور.. وهبي رئيسًا!
أفق جديد
تعيين وهبي محمد مختار رئيسًا للمحكمة الدستورية سلط الضوء على أزمة السودان العميقة في مؤسسات العدالة، وفي بنية الدولة نفسها.
وبدت الخطوة كأنها إعادة تدوير للوجوه داخل منظومة سياسية مأزومة، حيث ينظر إلى القرار كنتاج لتجاذبات بين مراكز النفوذ في بورتسودان، أكثر من كونها استجابة لحاجة وطنية لإصلاح القضاء.
وقد أعاد التعيين طرح أسئلة حول استقلالية القضاء وشرعية مؤسساته في ظل حرب وتمزق سياسي واجتماعي. فيما يخشى كثيرون أن تتحول المحكمة الدستورية إلى أداة جديدة للصراع، بدلًا من أن تكون مرجعًا للعدالة وحماية الحقوق.
وجاء تعيين وهبي رئيسًا للمحكمة الدستورية في وقت يطالب فيه الشارع السوداني بعدالة حقيقية تنهي الإفلات من العقاب وتضع أسس انتقال آمن.
وفي 30 أغسطس الجاري، عيّن رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، “وهبي محمد مختار”، رئيسًا للمحكمة الدستورية.
والمحكمة الدستورية؛ أعلى سلطة قضائية في البلاد وحارسة للدستور وتفسر النصوص الدستورية، كما تفصل في المنازعات التي يحكمها الدستور والنزاعات الدستورية بين مستويات الحكم وأجهزته.
وانتهى أجل المحكمة الدستورية في 12 يناير 2020، حيث لم تُعيّن السلطات قضاة جددًا، فيما نصّت الوثيقة الدستورية التي جرى التوافق عليها بين الجيش السوداني وقوى “الحرية والتغيير” بعد سقوط نظام الرئيس عمر البشير خلال العام 2019 على تشكيل المحكمة بواسطة مجلس القضاء العالي، الذي لم يُجز قانونه.
يقول المحامي عبد العظيم حسن: “يختزل كثيرون أزمة السودان في عدم التوافق على دستور دائم، غير أن جوهر الأزمة يكمن في غياب المعرفة بالوسائل والآليات التي تقود إلى الاستقرار، والأخير هو الذي سيُنتج الدستور بالضرورة. ولارتباط الأزمة بالدستور، يمكن التساؤل: هل كان الصراع حول الدستور من أهم أسباب الأزمة ومحركاتها الأساسية؟”.
وأضاف حسن في حديثه لـ”أفق جديد”: الإجابة: نعم. ولتفكيك هذا الواقع لا بد من تناول الأبعاد الثلاثة للأزمة: الدستوري، والسياسي، والاجتماعي – الاقتصادي”.
ووفق المحامي عبد العظيم حسن، فإنه منذ الاستقلال عام 1956 فشل السودانيون في التوافق على دستور دائم، وظلوا يتأرجحون بين دساتير انتقالية، بدأت بقانون الحكم الذاتي لسنة 1953، ثم الدستور الانتقالي لسنة 1956، الذي عُطّل بانقلاب عبود في 1958. وكما هو معلوم أعيد العمل به في ثورة أكتوبر 1964، لكنه أُلغي بانقلاب النميري 1969، فصدر دستور 1973 “الدائم”.
وتابع، “بعد سقوط نظام النميري صدر دستور 1985 الانتقالي، ثم ألغاه انقلاب البشير في 1989. في 1998 صدر دستور الترابي المشهور بـ”التوالي”، ثم جاء دستور 2005 كنتيجة لاتفاق السلام الشامل، واستمر حتى سقوط البشير 2019 حيث ظهرت “الوثيقة الدستورية” التي أُطيح بها في انقلابي أكتوبر 2020 و2021″.
والخلاصة بحسب المحامي عبد العظيم، أن كل دستور أو وثيقة ارتبطت بنظام حكم معيّن، وبسقوطه تلاشت معه شرعيته الدستورية.
وأوضح أن غياب دستور توافقي حوّل مؤسسات الدولة إلى هياكل هشة بلا حماية قانونية عليا. القضاء لم ينشأ نشأة طبيعية، وظل خاضعاً للسلطة التنفيذية، فعجز عن لعب دوره الرقابي، وأن القوى السياسية والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني تعاملت مع الدستور كأداة صراع، لا كمرجعية عليا.
بالنسبة إلى الكاتب والمحلل السياسي، محمد الأسباط، أن تعيين وهبي محمد مختار رئيسًا للمحكمة الدستورية هو قرار إعلامي أكثر من كونه قرارًا مرتبطًا بالقانون والدستور لعدم وجود دستور في السودان.
وأضاف الأسباط في حديثه لـ”أفق جديد”: “هناك وثيقة دستورية تعرضت لخروقات متتالية وبالتالي لا يوجد في الأساس دستور، وقد يكون التعيين لفض النزاعات حول بعض القضايا في المحاكم، لكن لا يمكن اعتباره قرارًا لتعزيز العدالة واستعادة هيبة المحكمة الدستورية في السودان، وكما ذكرت أن السودان بلا دستور وتحكمه وثيقة دستورية تعرضت لتعديلات متكررة، بالتالي قانونيًا ودستوريًا ليس لهذا القرار أي قيمة”.
وتابع: “من زاوية أخرى هذا التعيين يؤكد ما ظل يكرره عدد كبير من المحللين والمراقبين بأن الإسلاميين بدأوا في العودة إلى التحكم في مفاصل السلطة، وأن هذا الرجل كان رئيسًا للمحكمة الدستورية في عهد البشير من العام 2014 وحتى العام 2019”.
ويأتي القرار استنادًا إلى توصية المفوضية القومية للخدمة القضائية، التي دفعت في يوليو الماضي بتوصية لمجلس السيادة طالبت بعودة عمل المحكمة الدستورية.
وتشمل صلاحيات المفوضية التوصية بتعيين قضاة المحكمة الدستورية، وتعيين رئيس القضاء ونوابه، وقضاة المحكمة القومية العليا، وإجازة السياسة العامة للسلطة القضائية القومية، ضمن سلطات أخرى.
ورفعت المفوضية القومية للخدمة القضائية أواخر يوليو الماضي، توصية إلى مجلس السيادة لإعادة عمل المحكمة الدستورية، وذلك بعد أن عقدت اجتماعًا طارئًا بمقر رئاسة الجهاز القضائي في بورتسودان.
وتشمل صلاحيات المفوضية التوصية بتعيين قضاة المحكمة الدستورية، وتعيين رئيس القضاء ونوابه، وقضاة المحكمة القومية العليا، وإجازة السياسة العامة للسلطة القضائية القومية، ضمن سلطات أخرى.
يقول القانوني سيف الدولة حمدنا الله: “بطبيعة الحال لا معنى لمناقشة الخلل في المرجعية التي استند إليها البرهان في تعيين وهبي مختار رئيسًا للدستورية، ولا ما سيعقب ذلك من تعيينه لأعضائها، فالبرهان اليوم يتصرف في البلاد وأهلها تصرف المالك في ملكه”.
وأوضح حمدنا الله في مقالة منشورة “قبل الإنقاذ ومنذ استقلال السودان لم تكن هناك محكمة دستورية، وكانت الحقوق الدستورية ترعاها دائرة بالمحكمة العليا، حين كان قضاتها بحجمها ومقدارها، وقد اشتهر من بينهم القاضي العالم هنري رياض، وهو فقيه وعالم في مجال القانون الدستوري، وقد أضاف بعلمه للمكتبة القانونية إرثًا لا يُضاهى تضمنته نشرات مجلة الأحكام القضائية التي تتدارسها الأجيال المتعاقبة من القانونيين، وتمت إحالة القاضي هنري رياض للصالح العام بُعيد انقلاب الإنقاذ قبل أن يتوفاه الله بعد ذلك”.