“ديب ميتالز” مجرد شركة في منظومة فساد كاملة
أفق جديد
في بلد يعجز فيها المواطن عن الحصول على لقمة خبز تواصل عملتها انحدارها غير المسبوق، يحدثك من يشعلون نيران الموت فيها باقتراب ساعة النصر، بينما تحتل جثث الناس في كردفان المساحات التي كانت محجوزة للمنتجات الزراعية، يتكومون فوق بعضهم مجرد أرقام لضحايا جدد في موت يتجدد على رأس كل ساعة مع وعود بالمزيد.
بعيداً عن “الكرامة” المصطلح الأكثر تداولاً في السودان يسعى آخرون لتحقيق “كراماتهم” الخاصة، يستغلون أوضاع الحرب وحالة اللا دولة لزيادة رصيدهم من الأموال.
تنشر وكالة الأنباء السودانية الخبر، وقبل أن تتم قراءته تنشر الوكالة نفسها “النفي”، يبدو الأمر مدهشاً منذ الوهلة الأولى، خصوصاً وأن وكالة الأنباء الرسمية في الدولة يجب أن تمتلك معايير صارمة في ما يتعلق بنشر الأنباء، لكن دهشتك ستزول حين تكتشف أنك في سودان الحرب، حين يتحدث لسان الدولة الرسمي بأكثر من صوت فإنه لم يعد يمكن تجاوز صوت الفساد.
وكانت وكالة الأنباء السودانية “سونا” قد نشرت خبرًا عن اتفاقية بين وزارة المعادن وشركة “ديب ميتالز” للتعدين، التي يمتلكها الملياردير المصري محمد الجارحي، بالشراكة مع كل من السودانيين عمر النمير ومبارك أردول، وذلك في فندق هيلتون بالقاهرة وبحضور وزير المعادن نور الدائم طه، وبقيمة حددها الخبر بـ 277 مليون دولار، تشمل نشاطات الاستكشاف والتعدين في الذهب والحديد في مواقع امتياز موزعة على ولايات “الشمالية نهر النيل والبحر الأحمر والقضارف” مع إنشاء مصنع لمعالجة المخلفات ومصفاة حديثة للذهب.
الخبر الذي قام بمشاركته وزير المعادن نور الدائم في صفحته الرسمية بالفيسبوك، سرعان ما نفته الوزارة وأصدرت بيانًا نشرته الوكالة الرسمية للسودان نفسها، ووصفت وزارة المعادن الأخبار المتداولة عن الاتفاق بينها والشركة بالكاذبة والمفارقة للمصداقية. النفي سرعان ما أنتج أسئلة حول ما الذي يجري خلف الأبواب المغلقة .
أن تتحدث “سونا” لسان حال الحكومة السودانية بأكثر من صوت فإن ذلك يعني أن صوت “الفساد” صار أعلى ويمكن سماعه، وأن الأبواب المغلقة في حقيقتها هي الأبواب المفتوحة على مصراعيها للفساد، ومن يحمونه في واقع سودان اليوم الذي يبدو أنه أقرب للفساد المحمي بمجد البندقية بحسب ما يرسم الكثيرون صورة مقربة للواقع، بلاد نقلت معها الفساد نحو العاصمة المؤقتة على شواطئ البحر الأحمر،
الصحفيون المقربون من سلطة الأمر الواقع في بورتسودان يتداولون الأسماء “الجارحي” المعرف بكونه رجل أعمال مصري، عمر النمير الرئيس السابق لنادي المريخ ورجل الأعمال السوداني المرتبط بقضية فساد بنك النيلين في الإمارات، مبارك أردول “السياسي” المثير للجدل، وصاحب التجاوزات السابقة في حكومة حمدوك حين كان يشغل منصب المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية، ونور الدائم طه وزير المعادن الذي خاض معركته من أجل أن يشغل المنصب، هؤلاء هم أبطال القضية الجديدة، وفي الوقت ذاته هم من سيصنع أبطال اللحظة من الأقلام التي تحارب الفساد أو هكذا يحاولون إعادة رسم المشهد ومطالبة السلطات بالتدخل لحماية موارد السودان.
حسناً بالنسبة للكثيرين فإن إثارة الغبار حول قضية الشركة والتعاقد معها هو مجرد ذر للغبار من أجل التعامي عن قضايا أخرى، وبالنسبة لآخرين هو مجرد صراع داخل “كارتيل” السلطة نفسها، المناصرون لوزير المعادن ولمبارك أردول يتهمون من يقودون الحملة الآن بأنهم يعملون لصالح جهات بعينها هي فقط تدير حملاتها من خلالهم لتحقيق غاياتها
بحسب المعلومات المتداولة عن شركة “ديب ميتالز” الشركة يملكها رجل الأعمال محمد الجارحي بنسبة 47% وتتوزع باقي أسهمها على كل من عمر النمير ومبارك أردول الذي تم تعريفهما بكونهما رجال اعمال سودانيين لكن وفي أول ردة فعل على ما تم تداوله نفي أردول امتلاكه لأسهم في الشركة وقال انه مجرد مدير عام فيما نشر الصحفي محمد وداعة معلومات تنفي علاقة محمد الجارحي بالشركة والتي قال انه تم تأسيسها أواخر شهر مايو الفائت بحي المظاهر امدرمان وباسم عمر عثمان النمير وبراسمال قدره 10 آللف دولار فقط وهو رأسمال مدرج بالجنيه السوداني وانه لا وجود لمحمد الجارحي وان الغرض من الزج باسمه تمرير الصفقة المشبوهة وبحسب وداعة فان الشركة مسجلة بالرقم “71235” وانه بحسب رقم الإيداع فان مبارك عبد الرحمن احمد “اردول” هو مديرها العام .
بين صورة وزير المعادن برفقة “الجارحي” والنمير التي تم نشرها مع خبر توقيع الاتفاقية وبين نفي وزارة المعادن لما تم في وقته لاحق ثمة مشاهد تتكشف وثمة قضية تصعد للسطح وهي تفج ما تحتها من قضايا ثمة فساد ان تم نفيه بصورة رسمية تحدث به الناس همساً في جلساتهم الخاصة وفضحته الوقائع العامة في عجز البسطاء عن توفير الاحتياجات التي تجعلهم على قيد الحياة
حقيقة أخرى تؤكد انها حرب من اجل الفساد وليست حرب على الفساد كما يحاول البعض تصديرها الآن . سودان الحرب في لحظته الراهنة هو امتداد لسودان الفساد في الأيام السابقة حيث يكشف القيادي بتحالف “صمود” خالد عمر يوسف ان معركتهم في الفترة الانتقالية ومطالبتهم بمعاقبة “اردول” على تجاوزاته هي التي دفعت بالمزيد من التصعيد وانتجت لاحقاً تحالف “القصر” الذي تحول لتحالف الانقلاب وانتهي به الأمر لتحالف الحرب
أن تقاتل في الميدان الأمر يفتح لك أبواب الوزارة ويمكنك ان تحولها لتحقيق “مجدك” الذاتي وهو ما يظهر بشكل جلي في متابعة كتابات من يدعمون نور الدائم القيادي بحركة مناوي وهم ذاتهم من يدعم تحول المزايا التي كان يملكها الدعم السريع ويحرس بها فساده لصالح الحركات التي تقاتله “مناجم وشركات تعدين” وقوانين مفصلة لخدمة المحاسيب الجدد .
يصف عثمان ميرغني الصحفي السوداني معركة “ديب ميتالز” بالحرب الصغري التي تخفي خلفها حرب الرؤوس الكبرى التي تحاول جاهدة سلب موارد البلاد لصالح امتيازاتها الشخصية ما يؤكد على حقيقة مفادها “ما خفي أعظم” ويصفها آخرون بانها معركة احتجاج الرؤوس الكبيرة وهي تبحث عن نصيبها من الصفقة المشبوهة وان من يشعلون فتيلها الان هم مجرد “بيادق” لن يستطيعوا محاربة الفساد من خلال دعم منظومة الفساد نفسها.